العقلاء في كل زمان ومكان يحرصون على الحوار النافع والهادف، ويبحثون عن جسور تواصل وتعاون بين الدول، أي دول.
وتأطير الحوار بين الدول والشعوب ضمن عملٍ مؤسسي ناجح، ومنتديات سياسية وأمنية ودبلوماسية وثقافية، أمر له دور كبير في إيصال وجهات النظر، وطرح كثير من القضايا ذات الاهتمام المشترك، سيما إذا شارك في جلسات هكذا نقاشات شخصياتٌ عامة، معروفة بمصداقيتها، وعلو كعبها في تمثيل مواقف دولها، حتى لو كانت تلك الشخصيات تتمثل في مسؤولين سابقين أو قادة رأي عام مطّلعين، أو رؤساء مراكز أبحاث مرموقة.
وبما أن ألمانيا دولة أوروبية لها مكانتها العالمية، ولديها كثير من الإمكانيات الاقتصادية الجبارة، فإن الحوار معها يرتدي ثوب الأهمية الاستراتيجية ذات الأبعاد المختلفة في توقيت صعب يعيشه العالم كله، على وقع حروب ونزاعات، تُعيق التنمية وتُنذر بمستقبل مخيف، بل وتهدد بمجاعة ربما تعاني منها دول فقيرة، نتيجة تعثر العمل في سلاسل الإمداد الدولية.
وعلى مدى أيام خلت، كانت برلين محط أنظار المثقفين والمهتمين من صناع القرار السياسي، وأصحاب الأفكار البنّاءة، ضمن منتدى حواري خليجي عربي ألماني، نظمته جمعية نشطة تحمل اسم "جمعية الصداقة العربية الألمانية".
هذا المنتدى آنف الذكر توفرت فيه أرضية صُلبة من العمل الدؤوب المُفضي في نهاية المطاف إلى جعل الشراكة الخليجية الألمانية في مكانها الصحيح، بل هناك ما هو أكثر من ذلك، وربما نحو بداية جديدة للعلاقات بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي، وهذه ليست عبارة عابرة، بل عنوان الكلمة التي ألقاها الدبلوماسي السعودي المعروف الأمير تركي الفيصل، الذي شارك في هذا المنتدى، وأسمع الألمان كلاما خليجيا عربيا، يضع نقاط المصالح على حروف التعاون.
وكما شاركت السعودية، جاءت المشاركة الإماراتية المميزة في المنتدى الحواري، عبر حضور نخبة مهمة ومثقفة، تمثلت في الدكتور محمد العلي، الرئيس التنفيذي لمركز "تريندز" للبحوث، وفريقه العلمي والبحثي، الذي أثرى بحضوره جلسات المنتدى، وقدّم خلالها كل جديد مفيد، يشرح ويوضح توجه دولة الإمارات العربية المتحدة، نحو مزيد من التسامح والاحترام وصناعة الوعي الاجتماعي، بصفته الرافد الأساس لعمل سياسي تشاركي يُوظَّف لمصلحة الشعوب والأمم.
وما دامت أوروبا تمر بمنعطف خطير نتيجة الحرب في أوكرانيا، فإن ألمانيا لديها كذلك انعطافة جديدة في سياستها الخارجية الرامية لترسيخ التعاون مع منطقة الخليج العربي، لا سيما مع السعودية والإمارات، والزيارة المرتقبة للمستشار الألماني أولاف شولتس، إلى عاصمتي البلدين الخليجيين الكبيرين، والتي ستعطي مفاهيم عملية للشراكة الألمانية الخليجية العربية، في ظل ظهور موقف ألماني متشدد حيال المليشيات الحوثية الإرهابية في اليمن، وبقية المجموعات المسلحة التي تهدد أمن المنطقة العربية.
ما يعنيني كعربي هو قدرة دول الخليج على مستوى القيادات والشعوب في اغتنام الفرص المتاحة للحوار مع الآخرين، وفتح كل أبواب التواصل، لأن العالم كما صار معلومًا للجميع بات قرية صغيرة، وبوسع الخليج العربي تقديم الأولويات الاقتصادية وجعلها في مقدمة الشراكات، بغية توفير السلام المستدام القائم على أسس متينة.
وقد أثبتت التجارب أن الدول العربية الخليجية لديها كفاءة كبيرة في الوفاء الدائم بجميع الالتزامات، فضلا عن قدراتها الاقتصادية القائمة على أفكار حداثية تخاطب المستقبل، وتمتلك الخبرة الكافية للإسهام في حل مشكلات عويصة في عالمنا، عبر التموضع الاستراتيجي الصحيح، دون انحياز لدولة على حساب أخرى، أو الوقوف مع معسكر ضد آخر، لأن هذه الخِيارات ولّى زمانها، وأصبحت من الماضي البغيض.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة