كان البرازيلي فينيسيوس جونيور هو محور حديث العالم في الأيام الأخيرة، كل ذلك بسبب رقصة!
لم تكن أي رقصة، بل هي الرقصة التي تُعلن أن اللاعب البرازيلي تفوّق على منافسيه، نثر السحر بقدميه وقاد فريقه للتسجيل، وما التسجيل إلا متعة من متع كرة القدم، فلا يُعبَّر عنها إلا بمتعة أخرى مثلها.
وشاء القدر أن يُجسد بيدرو برافو، رئيس جمعية وكلاء اللاعبين في إسبانيا، دور كارهي المتعة، ومَن حوّلوا كرة القدم إلى حرب لها قواعدها، التي لم تسنَّها أي جهة، قبل ساعات قليلة من إحدى أهم 3 مباريات في موسم الدوري الإسباني.
لم أتخيل تصريحاته إلا كرجل يلبس الأسود، واضعًا غطاءً باللون نفسه على رأسه، يخرج الدخان من سيجاره السميك أمام عينيه، وهو يضرب مكتبه صارخًا: "على فينيسيوس أن يتوقف عن الرقص مثل القرود".
كلمة خرجت من فمه، فجلبت عليه الويلات، وجعلت منه مادةً يسخر منها العابر والجالس، كيف لا وقد أظهر بكلمات قليلة قدرًا كبيرًا من البُغض الذي انطوت عليه نفسه، وإن لم يُبد منه إلا القليل، ليس فقط في وصفه العنصري، ولكن في تصوره عن كرة القدم؟
لم يكن هذا هو تصور "برافو" فقط، بل أصبح تصورًا نشأ عليه جيلٌ كامل حوّل كرة القدم من لعبة تمنح محبيها المتعة، وتخفف عنهم ما يلاقونه في حياتهم، إلى حربٍ تضيف عليهم أتعابًا فوق أتعابهم، ويكون الفائز فيها مُكرمًا والخاسر مُهانًا.
إنْ كان لي أنْ أنصحك، فإني أصدقك القول، قيمتك ليست من قيمة ما تشجع، فوزه لا يعني فوزك، ولا يعني أبدًا أنك أفضل من صديقك أو زميلك الذي خسر فريقه، كرة القدم ليست مجالًا للافتخار بنجاحٍ لم تُسهم فيه، ولا للاحتقار بفشل لم يكن لك يدٌ فيه.
"الرجل الأسعد في العالم"، كان هذا عنوان الوثائقي الذي تحدث عن مسيرة البرازيلي رونالدينيو، نجم برشلونة الإسباني السابق، والذي صفقت له جماهير الغريم التقليدي، ريال مدريد، في إحدى المباريات، في مشهد لا يبدو مُعتادًا.
جماهير ريال مدريد صفقت لرونالدينيو لأنه قدّم لها بُغيتها التي دفعتها لحب كرة القدم، المتعة، صحيح أن هذه المُتعة نالت من شباك فريقهم، ولكن ذلك لم يدفع الجماهير لإنكار القيمة التي يقدمها "الرجل الأسعد في العالم".
كان رونالدينيو سعيدًا، وأسعد كل من شاهده، لأنه أمتع واستمتع، وهكذا فينيسيوس جونيور، أمتع الجميع بمراوغاته وقدرته على التحكم في الكرة بشكل فريد، فاستمتع بذلك برقصة بعد تسجيل الأهداف، لمَ لا؟!
لم نشاهد كرة القدم، ولم نحبها، ولم يصل حبنا لها إلى درجة الجنون، إلا لأنها متعة، تضيف إلى حياتنا قيمة معنوية قلَّ أن تضيفها وسيلة أخرى، وستبقى كرة القدم دائمًا وأبدًا اللعبة الأكثر شعبية، طالما ظلت اللعبة الأمتع في العالم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة