منذ أكثر من عام، حينما دخل الاتفاق النووي الإيراني حيز التنفيذ، انعقدت آمال كبيرة بأن الاتفاق سوف يضع طهران على مسار جديد للشراكة مع العالم.
منذ أكثر من عام، حينما دخل الاتفاق النووي الإيراني حيز التنفيذ، انعقدت آمال كبيرة بأن الاتفاق سوف يضع طهران على مسار جديد للشراكة مع العالم، غير أن إيران اختارت المضي قدماً على طريق الصراع والعدوان.
من ثم، كانت خطوة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المبكرة بفرض عقوبات جديدة على إيران بمثابة رد فعل مدروس طال انتظاره، حظي بترحيب أصدقاء أمريكا في المنطقة.
تزداد وتيرة السلوك العدواني الإيراني، أسلحة إيرانية محرمة خصصتها طهران للمتمردين الحوثيين في اليمن، مسلحون مدعومون من إيران شنوا هجومًا على أحد السجون وقاموا بتهريب إرهابيين مدانين في يوم رأس السنة بالبحرين، في وقت لاحق من يناير، قامت طهران بتجربة لصاروخ باليستي بقدرات نووية، في انتهاك يعد الـ 12 على الأقل لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يمنع إجراء مثل هذه التجارب.
في الوقت ذاته، يتزايد دعم إيران للحوثيين بإطراد، ما أطال حرباً أسفرت عن عواقب إنسانية مروعة، وبددت جهود الحرب على تنظيم القاعدة الإرهابي في شبه الجزيرة العربية، باعتباره واحداً من أخطر الجماعات الإرهابية في العالم.
قالها وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس في جلسة التصديق على تعيينه بمجلس الشيوخ: إيران هي "أكبر قوة مزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط"، كما وصف النظام الإيراني، الشهر الماضي، كـ"أكبر راع للإرهاب في العالم"، وقبل عام، قال السيد ماتيس، إن إيران استغلت ظهور تنظيم داعش مطية "للاستمرار في عبثها".
لا تتوقف إيران عن تقديم المزيد من الوعود بهذا الصدد، فقد أشاد الجنرال حسين سلامي، نائب القائد العام لفيلق الحرس الثوري الإسلامي، الشهر الماضي، بـ"القوة الصاروخية العظيمة" لإيران، قائلًا: "نضيف لأعداد الصواريخ والسفن الحربية وقاذفات الصواريخ الخاصة بنا كل يوم".
ماذا تريد إيران بالضبط؟ يدعو دستورها إلى تصدير ثورتها الإسلامية المزعومة إلى باقي العالم، يتحدث قادتها عن "فارس الكبرى" التي يمتد نفوذها لتشمل منطقة تشمل جانباً كبيراً من دول الشرق الأوسط، كما تظل عبارة "الموت لأمريكا" صرخة الاستنفار المفضلة في طهران.
إن كبح جماح العدوان الإيراني لن يكون سهلاً، وهو أمر يعتمد عليه استقرار المنطقة بأسراها. الخطوة الأولى هي الضغط على إيران للوفاء بالتزاماتها، الخطوة التالية هي إعادة أمريكا لبناء علاقاتها مع شركائها التقليديين بالمنطقة، ما يفتح الطريق أمام مواجهة مباشرة للتدخل الإيراني في مناطق كاليمن.
وإلى جانب الولايات المتحدة الامريكية، تؤمن الإمارات العربية المتحدة بأنه يجب تطبيق الاتفاق النووي تطبيقاً صارماً، وينطبق الأمر نفسه على قرارات الأمم المتحدة التي تمنع عمليات نقل الأسلحة الإيرانية وإجراء تجارب الصواريخ البالستية، كما ينبغي كشف الانتهاكات فوراً ومواجهتها بفرض العقوبات الاقتصادية.
إن إحياء التعاون الأمني بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربي سوف يؤثر بشكل مباشر على اليمن، كما أن زيادة الدعم الأمريكي للتحالف العربي سيسهم في دعم الحرب على الحوثيين الذين أطاحوا بالحكومة الشرعية، فضلاً عن منع آلاف الصواريخ والقذائف التي تقدمها إيران للحوثيين ليقوموا بإطلاقها على السعودية، إضافة لحماية الملاحة في البحر الأحمر، الممر المائي الدولي الحيوي المؤدي لقناة السويس.
إن الجهد المبذول في اليمن يوضح أن الإمارات ودول الخليج العربي الأخرى يأخذون زمام المبادرة ليس لحماية مصالحهم فقط وإنما للمصالح الأمريكية أيضاً، كما أن الدعم الأمريكي الآن حيوي أكثر من أي وقت مضى، ولا يعني بالضرورة التدخل العسكري البري، بل بتقديم القادة أصحاب العزيمة في واشنطن نوايا واضحة وسياسات متسقة.
عندما ترفع الولايات المتحدة أيديها عن صراعات كتلك القائمة في سوريا وليبيا واليمن فإن هذه الصراعات تمتد لفترات أطول وتصير أكثر عنفواناً، كما يصبح المعتدون مثل إيران وتنظيم داعش والقاعدة أكثر قوة وخطورة.
هكذا يمكن تجنب المزيد من العنف، يمكن أن توقف إيران تجاربها الصاروخية، ودعمها لوكلاء الحرب مثل حزب الله وحماس والحشد الشعبي والمليشيات الشيعية في العراق، يمكن أن توقف إيران طائفيتها وزعزعة استقرار العالم العربي.. يجب أن يسأل قادة طهران أنفسهم: هل نريد أن نكون جزءاً من الحل؟ أم نظل أكبر أزمة بالمنطقة؟
تؤمن الإمارات، وأعضاء مجلس التعاون الخليجي، بأن الشراكة قد تؤدي إلى التوصل لحل طويل الأمد. اقترح مجلس التعاون، في يناير، إجراء حوار استراتيجي مباشر مع إيران، يرتكز على 3 مبادئ: عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ووقف تصدير الثورة، والالتزام بالحد من الطائفية السنية- الشيعية.
وسوف نستمر في سعينا لإقناع قادة إيران بأن التعايش السلمي ممكن.. يتيح فرصاً هائلة للتعاون الإيجابي، ويوفر فرصاً اقتصادية كبرى، ويوسع التبادل الثقافي ويضع إيران في مكانها الصحيح بالمجتمع الدولي.. يمكن للاتفاق النووي أن يكون خطوة أولى تجاه هذا المستقبل.
لكن أفكار إيران تختلف بشكل واضح، وها نحن نعكف على وضع خططنا تزامناً مع تحذير واشنطن من تزايد التهديد الإيراني، تلك الخطط التي تشمل تجديد الشراكة الأمنية مع الولايات المتحدة، والتي من شأنها توفير الأساس لاستجابة جماعية حازمة لاستفزازات الجمهورية الإسلامية، وهو جهد عاجل وضروري للدفاع عن مصالحنا المشتركة وأمننا وسلامتنا جميعاً.
- مقال يوسف العتيبة السفير الحالي لدولة الإمارات العربية المتحدة في الولايات المتحدة في صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة