جولة ترامب.. رسائل استراتيجية من الخليج إلى العالم

في مشهد دولي يموج بتحولات متسارعة، اختار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منطقة الخليج العربي محطة أولى بأول زيارة خارجية في ولايته الجديدة
جولة تسلط الضوء على منطقة الخليج العربي كموقع استراتيجي محوري في خريطة النفوذ العالمي، خاصة مع تنامي التنسيق السياسي والاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي، وسعيها إلى لعب دور متقدم في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية.
وأمس الثلاثاء، وصل ترامب إلى المملكة العربية السعودية في مستهل جولة تشمل أيضا قطر والإمارات العربية المتحدة.
- ترامب يصل إلى السعودية.. الرئيس الأمريكي يضبط ساعته على توقيت الخليج
- بث مباشر.. شاهد وصول ترامب للسعودية في مستهل جولة خليجية
ويؤكد خبراء سياسة تحدثت معهم "العين الإخبارية" أن جولة ترامب إلى الخليج، ليست مجرد مناسبة بروتوكولية، بل لحظة سياسية فارقة، تعكس صعود الخليج إلى موقع الشريك الفاعل في إنتاج الأمن العالمي، وإدارة الملفات الكبرى.
بوابة العودة الأمريكية الكبرى
وتصف جينجر تشابمان، خبيرة القانون الدولي وعضو الحزب الجمهوري الأمريكي، اختيار ترامب للخليج بأنه "قرار استراتيجي واعٍ، يتجاوز الاعتبارات الجغرافية".
وفي تصريح لـ"العين الإخبارية"، قالت تشابمان، إن ترامب "يقف اليوم عند مفترق طرق تاريخي، واختياره لمنطقة الخليج كوجهة أولى ليس مجرد تفضيل جغرافي، بل قرار سياسي استراتيجي".
وأضافت «هذه الجولة تأتي بعد سلسلة تطورات حساسة، من اتفاق وقف إطلاق النار في اليمن، إلى مهمة المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف في غزة، وصولًا إلى تصريح السفير الأمريكي لدى إسرائيل مايك هاكابي، بأن الولايات المتحدة ليست ملزمة بالحصول على إذن من إسرائيل لإبرام اتفاق مع الحوثيين».
تشابمان شددت في حديثها على أن ترامب، رغم افتقاده لما تصفه بـ«الرؤية المؤسسية الواضحة»، إلا أنه يعتمد على حدسه السياسي في رسم سياسة خارجية تتسم بالمرونة والتركيز على المصالح الاقتصادية والأمنية، وتقوم على تقارب شفاف مع الشرق الأوسط، قوامه التجارة والطاقة والأمن الجماعي.
واستطردت: «هذه الزيارة قد تكون اختبارًا حقيقيًا لشعار (أمريكا أولًا)، لا كأداة هيمنة، بل كرؤية توازن بين الداخل والخارج».
واختتمت بالتأكيد على أن «الشعب الأمريكي يدرك اليوم أن القوة لا تُقاس بالعسكرة فقط، بل بالقدرة على بناء شراكات تحترم السيادة وتُنتج الاستقرار».
ترميم علاقات تآكلت في عهد بايدن
من جهته، أكد برنت سادلر، المسؤول السابق في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، في حديث خاص لـ«العين الإخبارية»، أن زيارة ترامب للخليج «تحمل رسائل قوية، ليس فقط لحلفاء أمريكا، بل أيضًا لخصومها، خصوصًا إيران».
وقال إن «استمرار النزاع في غزة، والاعتداءات التي تنفذها مليشيات الحوثي على الملاحة في البحر الأحمر، كلها ملفات ستكون حاضرة بقوة في لقاءات ترامب مع قادة المنطقة».
سادلر أشار إلى أن «إدارة ترامب الجديدة تدرك الحاجة إلى ترميم الشراكات الإقليمية التي تضررت بشدة خلال فترة الرئيس السابق جو بايدن»، مضيفًا أن «من أبرز ملفات النقاش توسيع اتفاقيات إبراهيم، وتعزيز التعاون مع دول الخليج في مجالات الأمن والطاقة ومكافحة النفوذ الإيراني».
الخليج يضع المعادلات
أما اللواء الدكتور محمد صالح الحربي، المحلل السياسي السعودي، فقد وصف زيارة ترامب بأنها «زيارة مفصلية» تأتي في مرحلة "يشهد فيها العالم انكماش النظام أحادي القطبية، وتَصاعد ديناميات التعددية القطبية الجديدة".
وفي حديث خاص لـ«العين الإخبارية»، قال الحربي إن "العالم لم يعد يدور حول قطب واحد، بل بات يشهد تشكل تكتلات عابرة للقارات، قائمة على المصالح السيادية المشتركة".
وأشار إلى أن المملكة العربية السعودية، ومعها دولة الإمارات وقطر، تمثل اليوم مراكز ثقل حقيقية في النظام الدولي، ليس فقط بسبب الطاقة، بل أيضًا بفعل دورها المتنامي في الوساطة والنفوذ السياسي والاقتصادي.
وأضاف: «الخليج العربي لا يتلقى التعليمات، بل يضع المعادلات».
وحول الملفات المطروحة في زيارة ترامب، لفت المحلل السياسي السعودي إلى أن الملف الفلسطيني، وقضية إيصال المساعدات إلى غزة، إضافة إلى قضايا الطاقة النووية والمتجددة، والاتفاقات التجارية، ستكون على رأس الأولويات، مؤكدًا أن «هذه الملفات تُدار اليوم من منطق الشراكة، لا التبعية».
وختم الحربي حديثه بالقول: «منطقتنا لم تعد هامشًا، بل أصبحت قلبًا نابضًا في الجغرافيا السياسية الحديثة. وترامب، من خلال هذه الزيارة، يعترف ضمنيًا بهذه الحقيقة».