هايتي.. من "لؤلؤة الكاريبي" إلى "آكلة الزلط"
بهدوء، مرّ إعصار "إلسا"، قبل ثلاثة أيام، على هايتي، لتستفيق الدولة الواقعة في الكاريبي، اليوم، على إعصار سياسي ضحيته رئيس لم يهنأ بسنوات حكمه القصيرة.
ومع اغتيال رئيس هايتي جوفينيل مويز، اليوم الأربعاء، في منزله على أيدي مجموعة مسلحة، توجهت الأنظار للمستعمرة السابقة التي ابتليت بالعنف السياسي في معظم تاريخها، لتستعرض "العين الإخبارية" في السطور التالية بعضا عن هذا البلد الذي تنتشر فيها "فطائر الطين".
أصل التسمية
Hayti هايتي بالعربية هو الاسم الهندي للبلاد، ويعني "أرض الجبال"، حيث تصل قمم الجبال إلى أكثر من 8000 قدم (2400 متر).
التاريخ وهدية المرض
عام 1492 وصل كريستوفر كولومبوس إلى جزيرة هيسبانيولا، وأصبحت هايتي مستعمرة إسبانية، وقيل إن الاسبان قتلوا حينها معظم السكان الأصليين واستوردوا الأفارقة للعمل.
وفي القرن السابع عشر، استولى الفرنسيون على المستعمرة، وزادوا الإنتاج في العديد من المحاصيل مثل البن والقطن وقصب السكر.
لكن في عام 1804 ثار الأفارقة ضد الحكم الفرنسي وحصلوا على الاستقلال عن فرنسا في يناير/كانون الثاني، وأطلقوا على بلادهم اسم هايتي، لتصبح أقدم جمهورية سوداء في العالم، حيث أن حوالي 95% من الهايتيين هم من أصل أفريقي.
ثورة الأفارقة على الفرنسيين فتحت شهية بريطانيا على الجزيرة الغنية للسيطرة على مقدرات المستعمرة، تحسبا من حركات تمرد أخرى قد تشهدها مستعمرات الكاريبي ما يهدد مصالحها.
وما إن سيطرت بريطانيا على هايتي حتى أعادت العبودية، ما أدخلها في صدام مع سكانها، قبل أن تنتشر "الحمى الصفراء" التي أصابت أعدادا كبيرة من البريطانيين.
وبحسب المؤرخ البريطاني، جون فورتيسكو، فقد توفي أكثر من ستة آلاف من القوات الملكية، بسبب "القيء الأسود".
ولم يشفع فوجا "66" و"69" لبريطانيا التي لم تجد نفعا، وغادرت الجزيرة الواقعة في الكاريبي.
وهي نفسها "الحمى الصفراء" التي ساعدت في هزيمة الفرنسيين، حين حاول نابليون الأول، في القرن السابع عشر، استعادة هايتي، حيث أصاب المرض جنوده، إلى أن نالت البلاد استقلالها عام 1804.
وفي سنة 1957 حكم فرانسوا دوفالييه البلاد، وكان الفقر المدقع مختبئا وراء ضوابط حكومية قوية، وقُتل العديد من الأشخاص الذين لم يتفقوا مع حكومة "بابا دوك".
حينها غادر العديد من الهايتيين البلاد وانتقلوا إلى أماكن آمنة في بلدان أخرى، قبل أن تتم الإطاحة بحكومة دوفالييه عام 1986.
هايتي تودع الديكتاتورية
مع انتخاب جان برتران أريستيد رئيسا للبلاد، عام 1990، أغلقت البلاد أكثر من ثلاثة عقود من الديكتاتورية التي أعقبها حكم عسكري.
في 29 فبراير/شباط 2004 قدم أريستيد استقالته من رئاسة هايتي وتولى بونيفاس ألكسندر، الرئيس السابق للمحكمة العليا في هايتي، منصبه كرئيس مؤقت.
الموقع ولعنة الطبيعة
تقع هذه الدولة الاستوائية الصغيرة في الثلث الغربي من جزيرة هيسبانيولا بين البحر الكاريبي وشمال المحيط الأطلسي، وتحديدا غرب جمهورية الدومينيكان وجنوب جزيرة كوبا.
موقعٌ وضعها في مسار العديد من الأعاصير، إذ واجهت عام 2008 دمارا بالغا من أربعة عواصف استوائية.
وفي عام 2010، قُتل آلاف الأشخاص ودُمر القصر الرئاسي في بورت أو برنس في زلزال بقوة 7.0 درجة.
مناخها الاستوائي يمدها بدرجات حرارة دافئة لمعظم أيام السنة، وساحلها منبسط وغني بالحياة البحرية وأشجار جوز الهند، والنخيل التي يمكن أن يصل ارتفاعها إلى 60 قدما.
السكان والثقافة
يبلغ تعداد السكان حوالي 95% من السود و5% من البيض من أصول قوقازية - أفريقية مختلطة، ويوصف الآباء الهايتيون بأنهم صارمون، لكنهم حنونون جدا، وغالبا ما تعيش الأسرة الممتدة مع العائلة في أماكن ضيقة.
وعلى الرغم من أن متوسط عدد سكان هايتي يبلغ 325 شخصا لكل كيلومتر مربع، فإن سكانها يتركزون بشكل كبير في المناطق الحضرية والسهول الساحلية والوديان.
يحضر الهايتيون الرقصات الشعبية ومراسم الفودو التي تعتبر الديانة التقليدية لنحو نصف السكان، وهي مزيج من تقاليد الأفارقة والمعتقدات الكاثوليكية، حيث يعتبر هذا الكرنفال ويوم رأس السنة الجديدة أكبر عطلة لمعظم الهايتيين.
ويعتمد الكثير في هايتي على الطب التقليدي وسحر الفودو، الكلمة التي شعوذة، وهي مشتقة من كلمة (Vodun) أي الروح.
ويؤمن أصحاب هذا المعتقد بخلود الأرواح وفناء الأجساد، ويعتقدون أن الأرواح لها القدرة على المساعدة أو المعاقبة، ولهذا يعملون على إرضائها بالقرابين.
اللغة والدين
اللغة الفرنسية هي إحدى اللغتين الرسميتين، ويتحدثها حوالي 10% فقط من الناس بطلاقة.
بينما يتحدث جميع الهايتيين لغة الكريول، اللغة الرسمية الأخرى في البلاد، في حين يتم استخدام الإنجليزية والإسبانية بشكل متزايد كلغات ثانية بين الشباب وفي قطاع الأعمال.
أما الدين السائد في هايتي، فهو الروم الكاثوليك، حيث تحولت أعداد متزايدة من الهايتيين إلى البروتستانتية من خلال عمل المبشرين النشطين في جميع أنحاء البلاد.
الحكومة والاقتصاد
يتم انتخاب الرئيس كل خمس سنوات في هايتي التي تعتبر أفقر دولة في نصف الكرة الغربي حيث يعيش 80% من سكانها في فقر.
يعيش حوالي ثلثي السكان على زراعة الاكتفاء الذاتي، وهم عرضة للعواصف المتكررة التي تدمر محاصيلهم وتدمر الأرض.
لكن في المقابل، ينتج البلد البن والمانجو وقصب السكر والأرز والذرة والخشب.
"آكلة الطين"
عُرفت هايتي بـ"لؤلؤة الكاريبي"، لما خبأته الحقبة الفرنسية من كنوز، فقد بلغ إنتاجها نسبة 40% من السكر، و60% من القهوة التي تستهلكها أوروبا،. قبل أن تصبح أفقر دولة في نصف الكرة الغربي.
في هذه الدولة الصغيرة، يقال إنه حين تسمع عبارة "معدة تأكل الزلط"، فالأمر ليس مجازا، حيث يتم اختبار قدرة الناس على أكل الزلط التي يتم صناعة الفطائر منه.
ويقول السكان إن هذه الفطائر التي تصنع من الطين والملح والماء وبعض الزبدة، تملأ المعدة، حتى وإن خلت من أية قيمة غذائية.
بينما يردد البعض بأنها تحتوي على الفيتامينات والمعادن المفيدة للجسم، ويدخل في مكوناتها التراب الذي يُجلب من مناطق جبلية.