تميز موسم الحج هذا العام، بالتشدد في تطبيق معيار «لا حج بدون تصريح»، وهو نهج خدم ضيوف الرحمن بالدرجة الأولى، لأنه سهّل عليهم أداء مناسكهم، دون زحام غير مبرر، أو فوضى مصطنعة، يمارسها من لا يريد أن يفهم المبدأ الراسخ للحج، ألا وهو «لمن استطاع إليه سبيلاً».
وبما أنني أستعدُ لمغادرة العاصمة المقدسة مكة المكرمة ومثلي عشرات الألوف من الحجاج، لابد أن أتوقف معكم عند نقاط هامة، تساعدنا جميعاً على فهم أخبار الحج وتفاصيل يومياته، بصيغ لا تذكرها وسائل الإعلام أو منصات التواصل الاجتماعي.
أولاً: من السهل الجهل في العبادات عند البعض، وإقحام النفس في أتون المشقة، مع أن الشريعة الإسلامية السمحة، تحمل في مقدمة مقاصدها، حفظ النفس، وهذا الحفظ أساس متين وركنٌ ينبغي مراعاة الالتزام به على الدوام، ويؤسفني أن أقول لكم: إن من المسلمين من يورد نفسه التهلكة، في سبيل أداء مناسك الحج بشكل يخالف قوانين البلد المنظم هنا، وهو المملكة العربية السعودية.
ثانياً: لدى السعودية رصيدٌ كبير من التجربة التراكمية كدولة في التعاطي مع موسم الحج، فهناك لجنة عليا للحج برئاسة وزير الداخلية، وأخرى مركزية برئاسة أمير منطقة مكة المكرمة، إضافة إلى منظومة أمنية ضخمة، تمتلك غرفة عمليات تعنى بالقيادة والتحكم والسيطرة، تسخر من أجلها كافة الإمكانات، وهناك منظومة صحية عملاقة تشرف عليها وزارة الصحة والهلال الأحمر، وهناك تعاون لحظيٌ متناسق بين كافة الجهات الحكومية في السعودية خلال موسم الحج، فضلاً عن مسح جوي على مدار الساعة، تقوم به طائرات عامودية حديثة ومسيرات صغيرة ومتوسطة وكبيرة.
ثالثا: ومع وصول الملك سلمان بن عبدالعزيز للحكم وتولي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد المسؤولية، وإطلاق رؤية 2030 الشهيرة، تم تطوير جوانب جديدة في مجالات الحج والحرمين، فوزارة الحج والعمرة مُنحت صلاحيات واسعة، وتم الإتيان بوزير الصحة السابق والناجح في عمله {توفيق الربيعة} كي يديرها، وحتى إن الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة، يشرف عليهما الآن جهازان حكوميان مرتبطان بالملك مباشرة، هيئة مستجدة ومستحدثة تسمى {الهيئة العامة للعناية بالحرمين الشريفين}، وهي مسؤولة عن كافة الخدمات المقدمة في أطهر بقعة بالأرض، ورئاسة للشؤون الدينية في الحرمين الشريفين، برئاسة الشيخ عبدالرحمن السديس، أشهر إمام في الحرم الشريف، ناهيك عن تأسيس الهيئة الملكية لتطوير مكة المكرمة والمشاعر المقدسة.
رابعاً: رغم دعوات {علي خامنئي} المرشد الإيراني لتعكير صفو الحج وممارسة طقوس خارجة عن المألوف، نجح السعوديون في تنظيم الحج وخاب وخسر المخربون، وراقبت {قوات الطوارئ الخاصة} السعودية بحذر شديد تصرفات بعثة الحج الإيرانية، ولم تسمح بأي سلوك مخلٍ في مكة أو على صعيد عرفات، حيث ركن الحج الأكبر، كما أكد وزير داخلية المملكة بصريح القول، أن السعودية تأخذ بعين الاعتبار كل تصريح أو تلميح حول الحج، وتضع سيناريوهات محددة للتعاطي مع أي مستجد عند اللزوم.
خامساً: عكست كلمات الأمير محمد بن سلمان وهو يستقبل كبار الشخصيات الإسلامية ثاني أيام العيد في قصر منى الملكي، حرص بلاده على إبعاد الحج والعبادة عن الشعارات المستهلكة، لأن السعودية وأشقاءها حريصون على مساعدة الجميع بالأعمال لا بالأقوال، والحج عبادة راسخة يمارسها المسلمون بكل يسر وطمأنينة.
سادساً: اللافت للنظر أخيراً وليس آخراً، حجم الوعي لدى أغلب الشعوب العربية والإسلامية حيال دعوات الإخوان وتشكيك أتباع المليشيات بإجراءات الحج، فالإخوان حاقدون على السعودية، لأن قيادتها حاربت تطرفهم ونبذت فكرهم وجففت منابع تمويلهم، ولهذا يستغل الإخوان هذه المناسبة لإعادة إنتاج خطابهم المتطرف تحت عناوين تستهوي البسطاء، من قبيل الحج لا يحتاج تصريح والعبادة للجميع، وتلك كلمات حق يراد بها باطل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة