الراوية الفلسطينية فداء عطايا: جدتي القعيدة ألهمتني فن الحكاية
عن مهنة "الحكاء" أو "الحكواتي" تقول الفلسطينية فداء عطايا إنها ارتبطت تاريخياً بذلك الرجل العجوز الذي يجلس في المقهى ليقصص البطولات.
«الراوي هو الوسيلة القادرة على إعادة الأبناء من جديد إلى حيّز أكثر سحراً، والابتعاد عن العالم الافتراضي، خاصة في الدقائق القليلة قبل النعاس، فـ"حكاية ما قبل النوم" هي سبيلنا حتى لا نترك الصغار فريسة سهلة لمخالب التكنولوجيا التي سيطرت على عقولهم».. بتلك العبارات بدأت الراوية الفلسطينية فداء عطايا التي يستضيفها المهرجان العالمي لرواية القصص، المقام على أرض جزيرة النور بإمارة الشارقة، حديثها مع "العين الإخبارية".
ترى "عطايا" أن مثل هذه المهرجانات تنجح باقتدار في أن تجمع المناشط الثقافية بالترفيهية، وتقدم للأطفال من مختلف الأعمار قيماً وحكايات إنسانية من مختلف دول العالم.
وعن مهنة "الحكاء" أو "الحكواتي" تقول الشابة الفلسطينية: "ارتبطت تاريخياً بذلك الرجل العجوز الذي يجلس في المقهى ليقصص بأسلوب شائق بطولات وإنجازات الشجعان والأذكياء، وهي رؤية قديمة وتقليدية حاولت كسر قالبها عندما تمكنت من تقديم الحكاية بأسلوب بسيط لأعيد إحياء مهنة (الحكواتي) من جديد".
فداء عطايا تربت في صغرها على حكايات جدتها "صفية" واستلهمت منها فن رواية القصص، ثم تعمقت في أصوله وقواعده لتبدع بأسلوبها الخاص، منطلقة من قريتها كفر نعمة قرب رام الله إلى مسارح العالم العربي والغربي.
بلهجتها البسيطة، تروي عطايا تجربتها، التي تبعد عن مجال تخصصها الجامعي في علم النفس، فبعدما عجزت عن إيجاد عمل يناسب دراستها، سخرت دراستها لتنمي موهبتها المكتسبة من جدتها القعيدة.
تقول عطايا: "ألهمتني جدتي صفية هذا الفن حينما كنا نجتمع في بيتها ليلاً لتروي لنا القصص الشعبية مستخدمة يديها لما تتطلبه الحكايات الخرافية من إيماءات بصرية، وبمجرد انتهاء الحكاية كنت أعود مسرعة للمنزل، لأعيد روايتها على شقيقتي الصغيرة عند النوم، وأتذكر أنني اخترت حشرة الخنفساء بطلة لجميع حكاياتي".
وتستعيد الحكواتية صاحبة البشرة القمحية ذكرياتها عندما اجتهدت كثيراً لتصل إلى ما هي عليه اليوم وتقول: "كنت الطالبة الفلسطينية الوحيدة لدراسة (الدمى والقصة) في لبنان، وسعيت جداً لإيصال حكايتي التي أريد، وآمنت بأهمية الحكايات، بالإضافة إلى أنني تلقيت تدريبات خاصة على يد مختصين أجانب من ألمانيا والسويد".
تعرض "عطايا" قضيتها الأولى والأساسية كفلسطينية عبر حكاياتها، لذا اتخذت من فن "الحكواتي" وسيلة لإيصال القضية الفلسطينية إلى شعوب العالم من خلال وقوفها على المسارح لتروي لهم بطريقة جذابة ما يعانيه أبناء شعبها من الاحتلال الإسرائيلي.
وتقول "عطايا" في هذا الصدد: "إن الحكايات الشعبية الفلسطينية كنز لكل فلسطيني كي يتعرف على حكمة الأجداد، فلكل حكاية شعبية رموز كانت سبباً في استمراريتها، وهي تشبه الواقع الحالي سواء الاجتماعي أو السياسي وفيها الظالم والمظلوم".
وتحدثت "عطايا" عن الأدوات التي يجب أن يمتلكها الراوي في كل الأزمان بقولها: "مهارة سرد القصص، والقدرة على تقمّص شخوص الحكاية، وإبراز أبعادها بشكل درامي، كل هذا يجعل المتلقّي يرسم بذهنه ملامحها وتفاصيلها، وكأنها شريط سينما يمر في خياله، وعلى الحكواتي أن يعلم تماماً أن ما يسرد للصغار يختلف أحياناً مع ما يعرض على الكبار، ولكن جميعها يهدف إلى توصيل رسالة عمادها ترسيخ القيم والفضائل والشجاعة والقناعة".
وأضافت الحكاءة الفلسطينية: "أن هناك تفاعلاً كبيراً بيني وبين الجمهور في المهرجان العالمي للقصص بالشارقة، وهو ذلك التفاعل الذي لمسته من الحضور، والحقيقة أنني قد شعرت بحماسة كبيرة دفعتني إلى أن أكون أكثر قدرة على التعبير عن شخوص الحكايات والأحداث، كون سرد القصص يعتمد أساساً على التواصل الإنساني، فالمكان حكاية؛ والأشخاص حكاية أخرى، وكلنا نملك قصصنا التي نرويها في الحياة بشكل أو بآخر".
تصر "عطايا" على أن ترتدي الزي الفلسطيني في أثناء حضورها لجميع الفعاليات، بل وتعتبر أن هذا الأمر أداة مهمة من الأدوات التي تستخدمها عند عرضها على المسرح، وتقول: "أمتلك أدوات خاصة عند عرضي للحكايات، فأرتدي الزيّ الفلسطيني التراثي حينما أحكي قصة شعبية قديمة، ومعظم ما أرتديه أثواب يفوق عمرها الثمانين عاماً وأسعارها مكلفة، بالإضافة إلى حرصي الشديد على وجود موسيقى تصاحبني خلال العرض".
وقالت: "إن عدد الحكواتيين ارتفع مؤخراً بسبب الإقبال الذي شهدته، مفتخرة بالتحول المميز الذي يحدث في المؤسسات الثقافية الفلسطينية".
هكذا كانت وما زالت "عطايا" الشابة الفلسطينية التي حصدت لقب "فراشة الجبل" منذ أن كانت تذهب برفقة شقيقها إلى الجبل لقطف الأزهار البرية، فكانت تتنقل كالفراشات بين التلال، وهي تروي على مسامعه قصصاً خيالية من وحي الطبيعة.
وتختتم "عطايا" حديثها بلحظات من الشجن مرت في عينيها قائلة: "لا يمكن أن أنسى دميتي القطنية الصغيرة التي كانت بمثابة شاهد عيان على أغلى وأجمل لحظات عمري، فكثيراً ما همست لها بحلمي أن أكون يوما ما حكواتية فلسطين".