"الحالة توهان".. استعراض مسرحي خطابي لأهم الحوادث الإرهابية
العرض الذي يقدمه القطاع العام بالمسرح المصري يكشف ويفضح حقيقة الجماعات الإرهابية والتكفيرية التي اتخذت من الدين ستارا للتحكم في الناس
ينتمي العرض المسرحي المصري "الحالة توهان" إلى نوعية الأعمال الفنية التنويرية التوعوية التي تناقش مناقشة نشأة التعصب والتطرف، منذ العصور الأولى وحتى عصرنا الحديث.
ويفضح العرض الذي يقدمه القطاع العام بالمسرح المصري حقيقة الجماعات الإرهابية والتكفيرية، التي اتخذت من الدين ستارا للتحكم في الناس وتخويفهم تحت زعم تنفيذ أوامر الله.
وبصورة نمطية يبدأ العرض مع فتح الستار باستعراض راقص مع كلمات أغنية "ماتقولش إيه عملوا الأجداد قول إحنا هنعمل أيه"، وسرعان ما يدخل أحد الرجال بسروال داعشي بصحبة رجال ملتحين على نفس الهيئة بينما يحملون أسلحة، في حصار للمتفرج من كل جوانب المسرح ليضعنا المخرج الدكتور سيد خاطر، وهو مؤلف العرض أيضا في قلب الحدث، وكأن الإرهاب يحاصرنا ويهددنا على نحو مباشر.
ويبدأ الإرهابي المتشدد الذي يحمل اسم "حافظ" حواره مع المتفرجين كاسرا الجدار الرابع المسرحي، مطالبا إياهم بالمغادرة بدلا من مشاهدة هذه الاستعراضات الماجنة.
ويتدخل رجل آخر يدعى "فاهم" ناهرا الإرهابي لنعرف منذ البداية ومن دلالة الأسماء أن حافظ الذي يعتبر نفسه حارسا للدين، لا يقوم بإعمال العقل، عكس فاهم المستنير الذي يقيس الأمور بعقله، ومن خلال الحوار بينهما نتعرف على محور العرض بأنه صراع بين الإرهاب وفكره الظلامي وبين العقل والتنوير.
بعد ذلك يدخل بطل العرض الممثل المصري جمال عبدالناصر، ليوضح أن ما حدث مجرد مشهد تمثيلي افتتاحي لفكرة المسرحية، قائلا "لا بد أن نفتح باب القلب والعقل لعمل محاكمة هزلية يتخللها أوقات من الجدية".
كما يؤكد أن جمهور هذه المحاكمة ما هو إلا أنماط سلبية منتشرة في المجتمعات العربية تعطل مسيرة التقدم، ومنها على سبيل المثال المتردد والمعارض لكل شيء دون تفكير، كذلك مدمن المخدرات الذي لا يفيق وغيره من الأنماط السلبية، بينما يتجاهل العرض وجود أي شخصية إيجابية.
ويطرح العرض، كيف تكونت جماعة الإخوان الإرهابية بعد ثورة 1919 على يد الاحتلال الإنجليزي في مصر لأغراض تخريبية، وكيف تكونت جماعات كتنظيم داعش الإرهابي وتنظيم القاعدة وغيرها على يد أمريكا.
كما نشاهد أهم الحوادث التي جرت من خلال قتل وإيذاء العلماء على مر العصور من قبل متشددي الرأي والإرهابيين، بدءا من محاربة ابن رشد واتهامه بالكفر والإلحاد وإحراق نحو 108 من كتبه، مرورا بالدعوى التي رفعت ضد الأديب طه حسين تتهمه بالكفر والإلحاد لتأليفه كتاب الشعر الجاهلي.
ونتابع أيضا قتل الشيخ محمد حسين الذهبي على يد جماعة التكفير والهجرة الإرهابية بعد تأليفه كتاب الإسرائيليات في التفسير والحديث، والذي حاول من خلاله تصحيح بعض المفاهيم المغلوطة في التاريخ الإسلامي، ومحاولة اغتيال الكاتب والروائي نجيب محفوظ من قبل الإرهابيين وتجسيد مشهد متخيل بين المهاجم والأديب.
وتنتهي مشاهد المسرحية بنفس أسلوب الخطابة التي استخدمها المخرج والمؤلف طوال العرض وبنبرة تحذيرية قوية، من خلال نزوله إلى الصالة والحديث مع الجمهور مباشرة.
على مستوى التمثيل والأداء برع جمال عبدالناصر في أداء الشخصيات المختلفة ضحية الإرهاب والجهل، وكذلك أشرف مصلحي في دور الإرهابي، وأجاد ياسر عزت في دور فاهم ومعتز السويفي في الأدوار المتنوعة، بينما أشعل الفنان الكوميدي رضا إدريس صالة العرض بسخريته الفكاهية أثناء تقديم شخصية القاضي.
كذلك شخصية عبدالعزيز توني في دور مستشار اليمين، والفنانين عبدالله الشرقاوي ناجح نعيم، سوسن طه، محمد الشربيني، وأشرف فؤاد في أدوار شخصيات المشاهدين بالمحكمة.
أما وظيفة الديكور في العرض، فكانت استكمالا للمنظر المسرحي، من خلال وضع المخرج "بنارات" يمين ويسار المتفرج بعض الكتاب والمفكرين التنويرين، مثل طه حسين والشيخ الشعراوي، وعلى اليمين صورا مشوهة ومتصدعة رموز الإرهاب، ومنهم أبوبكر البغدادي وحسن البنا والقرضاوي.
كما استخدم المخرج سيد خاضر مقعدين عملاقين على المسرح يرمزان للسجن الكبير، حيث جلس على المقعد الأبيض "فاهم " وعلى الأسود "حافظ ".
دلالات الإضاءة كانت مستخدمة بصورة مناسبة، سواء اللون الأحمر مع الإرهابيين والأزرق والأبيض مع المعتدلين والعلماء والمفكرين، كما استخدم خاصية "الزووم" أو التركيز الضوئي في الحوارات المهمة والجمل التي يريد التأكيد عليها.
واستمرارا لاستفادة من تقنية السينما عن طريق "الفيديو بروجيكتور"، ركز المخرج على عرض بعض المشاهد للعمليات الإرهابية، سواء في أفغانستان أو العراق أو ليبيا وسوريا وأخيرا مصر، ليذكر المتلقي بجرائمهم.
ورغم الاجتهاد في طرح الأفكار داخل هذا العرض بأسلوب المخرج الألماني برتولت بريشت الملحمي مع خلطه أسلوب أرسطو التراجيدي، لكن يظل العيب الرئيسي فيه كم الخطابة والمباشرة والتي أحالت العرض إلى محاضرة توعوية أفقدتها الكثير من الجاذبية ومتعة الفرجة المسرحية.