وسط المأساة المتواصلة في غزة، يتساءل الفلسطيني البسيط: عن أي مقاومة يتحدثون؟ كيف يمكن لحركة تزعم تمثيل الشعب، أن تبقيه رهينة للتجويع والقصف.
ومنذ اندلاع الحرب في أكتوبر/تشرين الأول، أُلقي بسكان غزة إلى حافة المجاعة، بينما قيادات حركة حماس تتنقّل بين الفنادق وتفاوض تحت المكيّفات، فيما الأطفال في القطاع يبحثون عن كيس طحين وعن شربة ماء.
في مشهد مثير للسخرية والأسى، يطلّ علينا المدعو خليل الحية، رئيس حركة حماس، ليصف عمليات الإسقاط الجوي للمساعدات بأنها “مسرحيات هزلية”. وكأنّ إيصال الغذاء والدواء إلى من يموتون جوعًا بات موضع سخرية لدى من يفاوضون باسم “المقاومة”، بينما لا يقوون على توفير علبة حليب واحدة لأطفال غزة. أهو استخفاف بعقول الناس أم فقدان تام للواقع؟ وكيف يمكن لقائد أن يطالب الشعوب العربية بـ"الزحف نحو فلسطين"، وهو عاجز عن وقف المجازر التي تسببت بها حماس بإشعال حرب عبثية في 7 أكتوبر؟
لقد بات خطاب حماس، كما عبّر عنه الحية، تكرارًا بائسًا لأسطوانة مشروخة: تخوين، تهرّب من المسؤولية، دعوات إلى الانتحار الجماعي باسم الأمة. لا حلول، لا رؤية، لا احترام لعقول الناس أو لدماء الأبرياء. مقاومة بلا أفق سياسي، وبلا مسؤولية أخلاقية، ليست مقاومة، بل إجرامٌ مغلّف بالشعارات.
في المقابل، نجد نموذجًا إنسانيًا مختلفًا تمامًا، تمثّله دولة الإمارات التي وضعت الموقف الإنساني فوق كل اعتبار سياسي. فمنذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أطلقت الإمارات عملية “الفارس الشهم 3” لإغاثة غزة، تلاها عمليات الإسقاط الجوي ضمن مبادرة “طيور الخير”، إيصالًا للمساعدات العاجلة إلى المناطق المنكوبة، خصوصًا تلك التي لا يمكن الوصول إليها برًا. وقد أكّد الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان على أن “الأوضاع الإنسانية في غزة بلغت مرحلة حرجة وغير مسبوقة، وسنواصل إيصال الدعم الإغاثي جوًّا وبحرًا وبرًّا”، مشددًا على أن "التزام الإمارات بالتخفيف من المعاناة راسخ لا يتزعزع".
لم تقف الإمارات عند الجانب الإنساني فحسب، بل عبّرت عن مواقف سياسية واضحة، مرحّبةً باعتراف فرنسا المرتقب بالدولة الفلسطينية، ومؤكدةً أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة هي السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار وإنهاء دوامة العنف.
الموقف الإماراتي ليس مجرد خطاب دبلوماسي، بل تحرّك فعّال يجمع بين الواقعية السياسية والالتزام الأخلاقي والإنساني.
الموقف الإماراتي يتناغم مع التوجّه السعودي، والذي أكّده وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان خلال "المؤتمر الدولي رفيع المستوى لتسوية القضية الفلسطينية بالطرق السلمية وتنفيذ حل الدولتين"، أن "قيام الدولة الفلسطينية هو مفتاح السلام الحقيقي”، مضيفًا أن السعودية أطلقت زخماً لا يمكن إيقافه للوصول إلى حل سياسي في الشرق الأوسط. الإجماع العربي المتنامي يعكس تحوّلًا في النهج إلى الدبلوماسية الملموسة، ومن الخطابة إلى الحلول الواقعية.
في المقابل، تقف حماس على الضفة الأخرى من المعادلة، مسكونة بوهم "التحرير الكامل"، بينما لا تُقدّم لشعبها سوى الخوف والدمار والمجاعة. أسوأ ما في خطاب الحية أنه حمّل علماء الأمة مسؤولية التحريض، في استغلال فجّ للدين، محاولًا تعبئة الشارع العربي لمعارك غير محسوبة، دون خطة، ولا أفق، ولا رحمة.
حماس باتت في مأزق أخلاقي وسياسي. لقد استنزفت رصيدها الشعبي، ولم تعد تُقنع أحدًا بأن ما يجري هو "مقاومة".
المقاومة الحقيقية تحمي الشعوب لا تعرّضها للفناء، تصون الحياة لا تشرعن الجوع، تبني الأمل لا تسكن بين الأنقاض. أما أن يُدفع الشعب إلى الموت، ويُطلب من الآخرين تمجيد ذلك تحت لافتة "الصمود"، فهذه أبعد ما تكون عن المقاومة.
لقد سئم العالم من العبث المليشياوي، وبدأت أوروبا تُعيد حساباتها. فرنسا، إسبانيا، إيرلندا، والنرويج، كلها تسير في اتجاه الاعتراف بالدولة الفلسطينية. العالم يريد حلًا، لا حربًا. يريد دولة لا مليشيات. يريد شراكة لا شعارات. ووسط هذا التغيير، لا مكان لمن يرهن قضية عادلة لأجندة عقائدية مغلقة أو ولاء لمحور إقليمي عابر للقضية.
وفي ظل هذا كله، تبرز التحركات الإماراتية كنموذج فاعل: دولة تقود منطق الدولة، وتوازن بين الدعم الإنساني والموقف السياسي، وتتحدث بلسان العقل والواقع، لا بالصراخ والانفعالات.
فليجبنا قادة حماس.. عن أي مقاومة تتحدثون؟! مقاومة تموت غزة تحت أنقاضها؟ أم سلطة أمر واقع تستثمر في معاناة أهلها؟ التاريخ لا يرحم، والشعوب لا تنسى.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة