المؤكد أن حركة حماس الإخوانية لن تنفذ ما كانت التزمت به في اجتماع موسكو الأخير وهو العودة إلى اتفاق الوحدة الوطنية الفلسطينية في 2017
خلافاً لما أعلنه «الإخوان المسلمون» المصريون بوقف العنف في مصر ها هو هجوم سيناء الأخير الذي أسفر عن مقتل 15 من القوات المسلحة المصرية يؤكد أن هؤلاء يقولون شيئاً كعادتهم ويفعلون شيئاً آخر، وهذا هو ما كنت أشرت إليه في مقال سابق، وحيث قلت إنه بعد هذا الإعلان «الإخواني» علينا أن نتوقع موجة شديدة العنف في أرض الكنانة كلها، وهذا هو ما حصل قبل أربعة أيام، وما هو متوقع أن يحصل خلال الأيام المقبلة وما بعدها وعلى مدى فترة مقبلة طويلة.
الخوف كل الخوف هو أن يتم التخلص من هذا الرجل، أي يحيى السنوار، جسدياً للتخلص من مواقفه وسياساته كلها لتصبح الطرق كلها آمنة وسالكة أمام «صفقة القرن» وبدعم تركي وقطري ولتتزايد عمليات استهداف مصر من سيناء ومن غيرها
إن صاحب القرار بالنسبة لهذه الأمور الخطيرة ليس «إخوان» مصر وإنما التنظيم العالمي لـ«الإخوان المسلمين»، الموجودة قياداته الرئيسية في إسطنبول وفي العاصمة القطرية الدوحة وأيضاً في بعض العواصم الأوروبية، والواضح أن هذا التنظيم الذي من بين أعضائه الرئيسيين الشيخ يوسف القرضاوي وخالد مشعل وأيضاً وكما يقال رجب طيب أردوغان، الذي يسعى -كما بات واضحاً ومعروفاً- إلى استعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية القديمة، عندما كانت في ذروة تألقها.. وإلا لماذا يفعل كل هذا الذي يفعله ويحاول أن يجعل «الإخوانيين» يسيطرون على ليبيا للانتقال منها إلى بعض دول شمال أفريقيا العربية.
ثم إن المؤكد أيضاً أن حركة «حماس» الإخوانية لن تنفذ ما كانت التزمت به في اجتماع موسكو الأخير، وهو العودة إلى اتفاق الوحدة الوطنية الفلسطينية في عام 2017، فهي التزمت باتفاق مكة المكرمة في عام 2007، لكنها ما لبثت أن انقلبت عليه بعد فترة قصيرة وقامت بانقلابها الدموي الشهير على السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير وحركة «فتح»، مما يثبت أن قراراً كهذا القرار ليس في يدها وإنما في يد التنظيم العالمي «الإخواني» الذي كان شكل هذه الحركة في عام 1987، بعد اثنين وعشرين عاماً من انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة بقيادة حركة «فتح»، لاستعادة شعبيته السابقة التي تراجعت وأصابها الاهتراء لتأخر جناحه الفلسطيني تحديداً في حمل السلاح والالتحاق بالمنظمات التي كانت سبقته بأكثر من عقدين من السنوات في الكفاح المسلح والثورة، وحتى قبل نحو عامين من حرب عام 1967 التي احتلت إسرائيل خلالها ما تبقى من فلسطين، قطاع غزة والضفة الغربية، وهذا بالإضافة إلى سيناء حتى قناة السويس وهضبة الجولان السورية المحتلة التي لا تزال محتلة.
كان «الإخوان المسلمون» بتنظيمهم العالمي أدركوا أنهم ما عادوا قادرين على استقطاب الفئات الشابة العربية والإسلامية والفلسطينية تحديداً إليهم ولا إلى برامجهم؛ لأنهم تأخروا في الالتحاق بركب المقاومة وحمل السلاح من أجل تحرير فلسطين، وهكذا فإنهم بعد فترة تحضيرية استمرت لسنوات متعددة أعلنوا في عام 1987 عن تشكيل حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، ونبتت إلى جانبها بعد سنوات قليلة حركة «الجهاد الإسلامي» بقيادة فتحي الشقاقي الذي كانت إسرائيل اغتالته في جزيرة مالطا في عام 1995.
وحقيقة أن كثيرين من «إخوان» قطاع غزة ومن بينهم الشيخ أحمد ياسين ولاحقاً يحيى السنوار الذي بقي معتقلاً في السجون الإسرائيلية لسنوات طويلة، ما كانوا راضين عن هذه الصيغة، أي صيغة أن تكون «حماس» تابعة للتنظيم العالمي «الإخواني» وجزءاً منه، فالمطلوب بالنسبة لهؤلاء أن تكون هذه الحركة، حتى يكون لها مستقبل في فلسطين، حركة وطنية فلسطينية وجزءاً من منظمة التحرير، ولذلك فإنه «لا بد من تصحيح هذا المسار ولا بد من الحفاظ على استقلالية قرارنا حتى لا نبقى معزولين عن شعبنا، ونبقى نخيط بمسلة ليست فلسطينية لا تستهوي أجيالنا الشابة إن هي تستهوي كبار السن من «الإخوان المسلمين» الفلسطينيين الذين ما زالوا يتمسكون بهويتهم السياسية العالمية»!!
وهكذا.. وعلى هذا الأساس فإن يحيى السنوار بعد اختياره رئيساً للمكتب السياسي لـ«حماس» في قطاع غزة قال، حسب بعض المعلومات، في اجتماع موسع حضره عدد من كبار القياديين في هذه الحركة: إنه علينا أن نعترف بأننا في أزمة، وإنه علينا البحث عن صيغة للخروج من هذه الأزمة، وعلى أساس أننا عندما أسسنا حركتنا هذه أسسناها على أنها حركة مقاومة فلسطينية مستقلة بقرارها، وبما يتلاءم مع قضيتنا، وأن يكون برنامجها على هذا الأساس ومتجاوزاً لأدبيات «الإخوان المسلمين» وببعد كفاحي عنوانه إزالة احتلال فلسطين.
ووفقاً لمعلومات مؤكدة، فإن السنوار وجه انتقاداً شديداً لبرنامج «حماس»، وإنه قال «إن التجربة الإخوانية في مصر وتونس وسوريا وغزة لم تنجح، وإنه لا بد من العلاقة مع السلطة الوطنية الفلسطينية والتخلص من هَم غزة للتفرغ للمقاومة.. وإنه لا بد من أن تكون فكرة المصالحة الوطنية جدية وليست للاستهلاك الإعلامي والمناكفات»، ويبدو أن هذا كله سبّب له مشاكل كثيرة وتحديداً مع خالد مشعل المقيم في الدوحة إلى جانب الشيخ يوسف القرضاوي وأيضاً مع المندوب القطري محمد العمادي، الذي يقضي معظم وقته في إسرائيل، ويكرس غالبية جهده، كما يقال، لإبعاد المصريين عن قطاع غزة والإيقاع بينهم وبين حركة «حماس»، التي يرى حتى المتشددين في قيادتها أنه لا بد من علاقات دائمة ومتواصلة مع مصر، على الرغم من أنها حركة «إخوانية».
وحسب ما نُسب إلى السنوار وغيره من قادة «حماس» -من غير تيار خالد مشعل- فإنه لا يجوز الارتباط بإيران، وإنه لا يجوز بالنسبة لحركة مقاومة فلسطينية أن تكون على مسافة واحدة مع الدوحة وطهران وأن تكون حليفاً للإيرانيين وحليفاً للقطريين في الوقت نفسه، فالإيرانيون أعداء لأمريكا والقطريون حلفاء للأمريكيين، وهنا يبدو أن الخلاف داخل حركة المقاومة الإسلامية آخذ بالتباعد بين تيارين؛ تيار يريد أن يكون فلسطينياً وجزءاً من منظمة التحرير، وتيار يريد أن يكون جزءاً من التنظيم العالمي لـ«الإخوان المسلمين».
ويبدو أن السنوار -الذي يرى ومعه تيار رئيسي في حركة «حماس»- أنه لا مناص من العلاقات مع مصر وفي كل شيء، يتَّهم الأكثر تشدداً في التبعية لـ«التنظيم العالمي» الإخواني، كما يقال، بتقديم الدعم للإرهابيين في سيناء وتمكينهم من دخول قطاع غزة والخروج منه، وهذا في حين أن الذين يوصفون بأنهم أتباع خالد مشعل يتهمون السنوار ومجموعته بأنهم ينسقون مع الأجهزة الأمنية المصرية، وأنهم ينقلون إليها معلومات عن المجموعات الإرهابية التي يستهدفونها، وأنهم فرضوا إغلاقاً كاملاً على «القطاع»، قبل عملية يوم السبت الماضي حتى لا يلجأ الإرهابيون إليه.
والمهم أن يحيى السنوار بات مستهدفاً من قبل «التنظيم العالمي» الإخواني، وأن حركة «حماس» أصبحت تيارين متصادمين، فتيار يصر على أن هذه الحركة يجب أن تكون حركة فلسطينية وجزءاً من منظمة التحرير ومن المقاومة، في حين أن الطرف الآخر بقيادة خالد مشعل يتمسك ببقاء هذه الحركة حركة إسلامية عالمية، وكما كان عليه الأمر لدى انطلاقها في عام 1987، مما يعني أن الفراق بين الطرفين غدا بمثابة تحصيل حاصل، وهذا إن لم تستجد تطورات مفاجئة قد تؤدي إلى متغيرات أساسية ورئيسية بالنسبة لكل شيء.
ويبقى أنه لا بد من أن يكون هناك دعم حقيقي لهذا الاتجاه الاستقلالي الذي يقوده السنوار والذي تعرض لحملة تشويه واتهام، خاصة في مؤتمر إسطنبول الأخير الذي عقده «التنظيم العالمي» الإخواني، وحيث -حسب المعلومات المؤكدة- إن المندوب «السامي» القطري في قطاع غزة محمد العمادي بات ينشط الآن وأكثر من اللزوم لتفجير الأوضاع المتوترة في «حماس» لإضعاف الاتجاه الاستقلالي في هذه الحركة، فإن الخوف كل الخوف هو أن يتم التخلص من هذا الرجل، أي يحيى السنوار، جسدياًّ للتخلص من مواقفه وسياساته كلها، لتصبح الطرق كلها آمنة وسالكة أمام «صفقة القرن» وبدعم تركي وقطري، ولتتزايد عمليات استهداف مصر من سيناء ومن غيرها.
نقلا عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة