وكشفت الدراسة التي عرضت في مقر كلية لندن للاقتصاد، أن الفقر أو تدني الدخل، ليس هو المتهم الحقيقي في تعاسة الناس.
جمعني حوار شائق في لندن مع أحد الأعلام البارزين في العالم في مجال بحوث السعادة، البروفيسور ريتشارد ليارد (82 عاماً)، حيث كنّا نتحدث على هامش مؤتمر مهم، ناقش نتائج دراسته الحديثة والموسعة التي أظهرت أن المال بالفعل لا يجلب السعادة، مقارنة بعوامل أخرى لا يكترث لها الأفراد والحكومات. وخلاصة حديثه، أن البلدان يجب أن تعيد النظر بجهودها بعد هذه الدراسة.
فقد أبدى البروفيسور دهشته، بعدما كشفت الدراسة أن ارتفاع دخول الناس لا يرفع مقدار سعادتهم بصورة كبيرة، مقارنة بمشاعرهم السلبية التي تتولد حينما يحظى غيرهم بتلك الزيادة. هذه المسألة التي ذكرها مثيرة للاهتمام، ونراها في بيئات الأعمال، وحياتنا عموماً، فالمرء لا يمانع أن يحرم من مكافأة سنوية (بونص)، لكنه حينما يعلم أن غيره نالها يغضب.
ودعا البروفيسور، البلدان للتركيز على «بناء السعادة» wellbeing أكثر من «بناء الثروة»، بعد نتائج هذه الدراسة الموسعة، التي كشفت لنا النقاب عن أمور تبهج الشعوب، لكنها تغيب عن سلم أولويات الحكومات.
ومن هنا، خصصت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، مع كلية لندن للاقتصاد، جلسة افتتاحية خاصة لمناقشة انطلاقة تجربة حديثة في العالم، وهي برنامج دولة الإمارات لوضع معايير تقاس بها سعادة ورفاهية الناس.
وكشفت الدراسة التي عرضت في مقر كلية لندن للاقتصاد، أن الفقر أو تدني الدخل، ليس هو المتهم الحقيقي في تعاسة الناس، بحسب البحث الذي شارك فيه نحو 200 ألف شخص، فقد أظهر العلماء أن العلاقات الاجتماعية والصحة العقلية والجسمية، تجعل المرء سعيداً أكثر من مضاعفة دخله.
ليس هذا فحسب، بل اتضح أن أكثر ما يحطم مشاعر السعادة، هو شعورنا بالاكتئاب والقلق. في حين تبين أن ارتباط المرء بعلاقة عاطفية مع شخص يحبه، كان لها عظيم الأثر في رفع مشاعر السعادة.
وهذا ما انتبه إليه أيضاً رئيس الوزراء البريطاني، حينما أطلق في عام 2010، برنامج الـ wellbeing، والتي يترجمها معجم أكسفورد بكلمة «السعادة أو حسن الحال»، وذلك لما أدركته حكومته من ضرورة تنمية العوامل التي تساعد على بناء حياة أفضل، وقياسها إحصائياً بصورة سنوية، وليس الاكتفاء بالتركيز على مؤشرات الجوانب المادية والاقتصادية المعروفة.
وهذا التوجه في تحسين أحوال الناس من هذا الجانب، ليس ترفاً، بل أمر يستحقه الإنسان. فإذا لم يستفد المرء والبلدان من أهم الدراسات العالمية في صناعة قراراتها، ورسم البسمة على وجوه الناس، فسيكون البديل قرارات ارتجالية لا تبنى على أرضية علمية صلبة.
وما مؤتمر لندن للسعادة إلا محاولة لتنبيه الناس إلى أن مصدر تعاستنا، لا يكمن في قلة دخولنا، بل في أمور أخرى لا نلقي لها بالاً، كالاكتئاب والقلق وتجاهل أهمية العلاقات الاجتماعية.
* نقلا عن البيان
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة