قوة هاريس «السرية».. وعود فضفاضة وتحرر من الديون السياسية
في طريقه إلى رحلة الصعود لدائرة الضوء يكون أي سياسي أمريكي محملا بديون تجاه من أسهموا في صعوده، لكنّ الأمر لا ينطبق على المرشحة لرئاسة الولايات المتحدة كامالا هاريس.
فبينما تنص القاعدة القديمة في الولايات المتحدة على أن أي سياسي يحمل دائما ديونا تجاه شخصيات بعينها أو دوائر انتخابية معينة لعبت دورا في صعوده، لا ينطبق الأمر على نائبة الرئيس والمرشحة الديمقراطية لانتخابات الرئاسة كامالا هاريس.
وبحسب صحيفة «بوليتيكو» الأمريكية فإن طريقة صعود هاريس التي نجحت في حشد القوى الديمقراطية خلفها وسط الهوس بهزيمة الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي أجبر الرئيس جو بايدن على الانسحاب من سباق البيت الأبيض، تعني أنه لا يمكن لأحد أن يدعي أنه هو من أوصلها لهذه المكانة.
وأشارت إلى أن وجود عدد قليل من الديون الصريحة على عاتق هاريس هو الذي مكنها من تشكيل مؤتمر الحزب على الصورة التي ظهر بها في شيكاغو، حيث ظهرت الصورة الوسطية الجديدة، القوية في التعامل مع الجريمة، والقوية في الدفاع، والقوية في التعامل مع الأعمال التجارية، وهي الصفات التي لم تقدم للأمة بقوة قبل هذا الصيف.
لعبة الرجل المسن
الأمر الأكثر سحرا هو أن هاريس بطريقة ما تبدو كأنها الوافد الجديد في خدعة جعلت ترامب بدلا من أن يكون الرجل الذي يسعى لهزيمة الرئيس المسن، أصبح نفسه الرجل المسن ولدى المرشحة الديمقراطية الآن 9 أسابيع لتطبيق هذه الاستراتيجية.
ويشعر الحزب الديمقراطي بالارتياح الشديد للحصول على مرشح لديه أمل في الفوز بالسباق الرئاسي، لدرجة أنه لا أحد داخل المعسكر يمانع وجود صعوبة تحديد هوية هاريس.
وفي اللحظات التي أعقبت خطاب قبولها ترشيح الحزب تحدث بعض الديمقراطيين بحماس عن كل السياسات الوسطية التي تبنتها وغياب العبارات اليسارية المألوفة، فيما أحب صقور الدفاع وصفها لأهمية القوة العسكرية الأمريكية واحترم اليساريون حديثها عن وطنية أبناء المهاجرين.
واعتبر أحد رواد الأعمال في مجال التكنولوجيا أنها أول مرشحة رئاسية تستحضر كلمة "المؤسسين" والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا، وبدت دعوتها إلى "اقتصاد الفرص" غامضة بما يكفي لإرضاء الجميع.
وبقدر ما ترتبط هاريس ارتباطا عميقا بكاليفورنيا والمال السياسي في هوليوود ووادي السليكون، فإن العديد من كبار المانحين الديمقراطيين لا يعرفونها جيدا، ما أثار القلق في وقت سابق من أن تجد صعوبة في جمع الأموال.
بناء الجسور
وقال أحد أصدقاء هاريس من كبار المانحين إن كامالا عملت خلال الأسابيع القليلة الماضية على «بناء الجسور» مع المانحين المؤسسين وطبقات السياسة.
وتبددت المخاوف مع تدفق الأموال في الشهر الماضي فنجحت رغم كونها «بديلة» لبايدن دون مزيد من التعريف في جمع (520 مليون دولار) بشكل أسرع من أي شخص آخر.
وقال ديفيد بيبر، رئيس مجلس إدارة شركة «أبل»، إن هاريس «تجنبت العملية المعتادة لبناء الدعم خلال حملة مطولة».
وأضاف «ستدخل الرئاسة بعدد أقل كثيرا من سندات الدين مقارنة بالرجال السابقين»، مشيرا إلى أن هذه الديون تتراكم على مدار الانتخابات التمهيدية التي لم تخصها هاريس ولم يكن عليها السعي للفوز بها.
وذات يوم كتب الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما قائلا «أنا بمثابة الشاشة الفارغة التي يعرض عليها الناس من مختلف التوجهات السياسية وجهات نظرهم الخاصة».
وخلال مؤتمر شيكاغو كانت المقارنات واضحة بين الترشيح التاريخي لكل منهما، فأوباما كان أول رئيس أمريكي من أصل أفريقي، فيما هاريس أول امرأة ملونة تترشح للرئاسة، وفي حال فوزها ستكون أول امرأة تتولى الرئاسة.
لكن الاختلافات أيضا كانت واضحة، ففي 2008 كان أوباما المتمرد الذي كانت قصته الشخصية ووجهات نظره للعالم محددة جيداً من خلال روايته لها في الكتب الأكثر مبيعاً ومعركة طويلة في الانتخابات التمهيدية ضد هيلاري كلينتون التي كان عليه أن يحفر لنفسه مكانة على يسارها.
لكن هاريس ليست على هذا النحو من الوضوح، على الرغم من أنها كانت جزءا من إدارة بايدن، وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية تم إرسالها لتعزيز العلاقات مع قاعدة الحزب التي ساعدتها في الحصول على ترشيح الحزب.
ومع ذلك فإن هاريس حرة إلى حد كبير في صياغة أجندتها الخاصة، دون أن يعرقلها الالتزام بالمصالح الخاصة التي تتراكم أثناء معركة الانتخابات التمهيدية.
وفي حين كان الأمل في الخلاص الوطني هو ما جمع الديمقراطيين حول أوباما، فإن ما يجمعهم حول هاريس هو الرغبة الشديدة في إبعاد ترامب، أي أن عام 2008 كان بالنسبة للديمقراطيين يدور حول رجلهم، وهذا العام يدور حول الرجل الآخر.
ورغم مزايا تحررها من عبء الديون الذي يجعلها تتحرك بشكل فضفاض خلال السباق، فإنه يهدد بـ«بداية فوضوية» لولايتها فى ظل افتقارها إلى تفويض محدد، الأمر الذي قد يؤدي إلى إعادة إشعال الانقسام الديمقراطي.