الانتخابات انتهت بفوز المعارضة في أكبر معقلين لتحالف أردوغان باهتشلي، أي إسطنبول وأنقرة
تعرض رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كيليتشدار أوغلو للكمة من أحد الأشخاص يوم الأحد الماضي، خلال مشاركته في تشييع أحد الجنود الأتراك. وتبين لاحقاً أن المعتدي الذي اعتُقل ينتمي إلى حزب العدالة والتنمية. بطبيعة الحال استنكر رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان وزعيم حزب الحركة القومية دولت باهتشلي، وهما مناوئان سياسياً لكيليتشدار أوغلو، الحادثة ورفضهما استخدام العنف، أما وزير الداخلية سليمان صويلو فقال، ولما ينتهي التحقيق بعد، إنه لا يعتقد أن وراء الحادثة عملاً مدبراً. وهذا استدعى من كيليتشدار أوغلو دعوة لاستقالة صويلو من منصبه كوزير للداخلية.
جاءت الحادثة بعد مجموعة من التطورات لا يمكن فصل الحادثة عنها، وكلها تتعلق بالخطاب الأيديولوجي لحزب العدالة والتنمية وشريكه وحليفه حزب الحركة القومية.
كانت النتيجة أن من يزرع ريح الكراهية والديماغوجيا على مدى شهرين كاملين يحصد عاصفة الضيق والعنف.. ولا ينفع من بعد ذلك تراجع أو تبرير أو إدانة
فخلال الحملة الانتخابية تصدّر عنوانان فكريان وسياسيان مواقف أردوغان وباهتشلي. الأول كان شعار أن تحالف الطرفين هو مسألة حياة أو موت لتركيا، وفي ضوء نتائج الانتخابات يتحدد «بقاء» تركيا من عدمه، وكان هذا رسالة واضحة بأن حزبي أردوغان وباهتشلي هما المدافعان الوحيدان عن الوطنية التركية والقومية التركية والسيادة التركية، وأي إضعاف أو هزيمة لهما تعني تعريض تركيا كلها للخطر والاستسلام للأجنبي.
ولم تكن مفردة «بقاء» أو «مصير» تسقط من على لسان أردوغان وباهتشلي، حتى لكأن يُظن أن آلة التسجيل الصوتي تعمل تلقائياً وعلى مدار الساعة على بث هذه المفردة.
لكن الانتخابات انتهت بفوز المعارضة في أكبر معقلين لتحالف أردوغان باهتشلي، أي إسطنبول وأنقرة، فضلاً عن مدن أخرى كبيرة ومهمة مثل إزمير وأنتاليا وأضنة ومرسين وديار بكر، واليوم تسير الأمور مبدئياً بصورة عادية ويمارس كل مهامه من دون أن تضطرب تركيا أو تهتز أو يتعرض الأمن القومي أو بقاء تركيا ومصيرها لأي خطر، كما كان يروج ثنائي السلطة.
أما الشعار الثاني الذي رفعه أردوغان وباهتشلي، فهو أن المعارضة مجتمعة دخلت في تحالف مع «الإرهاب» وأعداء تركيا، أي مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي الذي يتهمه أردوغان وباهتشلي بأنه صنيعة وامتداد لحزب العمال الكردستاني المحظور والمصنف إرهابياً في تركيا، وكذلك اتهما المعارضة بأنها تدار من «بنسلفانيا» (في الولايات المتحدة)، حيث يقيم من يصفونه دائماً بزعيم «المنظمة الإرهابية»؛ رجل الدين فتح الله غولن. وبذلك قسّم أردوغان وباهتشلي الأتراك، على غرار أسامة بن لادن، إلى فسطاطين؛ فسطاط الوطنية وفسطاط الإرهاب، وتحوّل نصف الأتراك على الأقل إلى مجموعة من الإرهابيين و«من ليس معنا فهو إرهابي»، وشمل ذلك كل أحزاب المعارضة.
لكن وكما مع شعار «البقاء» فإن شعار «الإرهاب» والتخوين فشل، ونجح «الإرهابيون» في ترؤس بلديات كبرى على رأسها إسطنبول وأنقرة. ومع ذلك لم تقم القيامة وها هو أكرم إمام أوغلو ومنصور صاواش يمارسان عملهما، في إسطنبول وأنقرة، بكل وطنية وتفانٍ لخدمة الشعب التركي. سقط شعارا البقاء والتخوين الإرهابيان، واضطر أردوغان وباهتشلي إلى التراجع داعيين إلى «تحالف كل تركيا»، وأن يكون 82 مليوناً قبضة واحدة. خطاب الكراهية هذا وإقصاء الآخر ولو كان ابن هذه الأرض، كان من الطبيعي أن ينعكس على جمهور حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية. وما فعله الحزبان من أجل إبطال انتخابات إسطنبول كان برهاناً على عمق الهزيمة التي تعرضا لها، وعدم تقبلهما للنتائج.
لذا كان من الطبيعي أن تجد من يعبّر عن هذا الضيق من النتائج بتوجيه لكمة على وجه كمال كيليتشدار أوغلو، ومحاولة وزير الداخلية إبعاد تهمة العمل المدبر عن الاعتداء، ومن ثم تهمة تشرّب الجاني بخطاب الكراهية الذي حقن به زعماء تحالف العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، الشعب. فكانت النتيجة أن من يزرع ريح الكراهية والديماغوجيا على مدى شهرين كاملين يحصد عاصفة الضيق والعنف.. ولا ينفع من بعد ذلك تراجع أو تبرير أو إدانة.
نقلاً عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة