"بلا حدود".. سلاح محمد حزيم ضد إرهاب "العشرية السوداء" في الجزائر
مهمة صعبة لكنها لم تكن مستحيلة على الفنان الجزائري الراحل محمد حزيم، وهي صناعة الابتسامة والفرحة في زمن الموت والدموع والقتل.
ودّعت الجزائر، الأربعاء، الفنان محمد حزيم، الذي يعد من أيقونات الكوميديا والمسرح بهذا البلد العربي، وأحد كبار فنانيها الذين جابهوا بطش الجماعات الإرهابية خلال ما كان يعرف بـ"سنوات العشرية السوداء" خلال تسعينيات القرن الماضي.
- وفاة فنان الجزائر محمد حزيم.. تبون يعزي والساحة الفنية تبكيه
- رحيل الفنان الجزائري محمد حزيم.. ابتسامة "بلاد حدود" في زمن الإرهاب
محمد حزيم استحق بحسب النقاد ومَن عملوا معه أن يكون أحد فناني الجزائر الذين "أرهبوا الإرهاب" خلال تلك الفترة القاتمة من عمر الجزائر، وهي الحقبة التي كان الفن "مُحرماً" عند الجماعات الإرهابية، وأصدرت فتاويها بـ"قتل الفن والفنانين".
وكان محمد حزيم من بين الفنانين الجزائريين الذين رفضوا مغادرة البلاد هرباً من الأفكار والفتاوى الشاذة للجماعات الإرهابية، التي حاربت الفن وتفننت في قتل الكثير من أعمدته ومشاهيره خلال تسعينيات القرن الماضي.
وفي الوقت الذي كانت فيه أخبار القتل والمجازر الجماعية والتفجيرات الانتحارية السائدة في التلفزيون الجزائري الحكومي خلال تلك الفترة، وفي الوقت الذي كان فيه الجزائريون يواجهون همجية الإرهاب وأعداء الحياة، خرج محمد حزيم بشعلة أمل في الحياة.
"بلا حدود"، لم تكن مجرد سلسلة فكاهية عشقها الجزائريون سنوات التسعينيات، بل كانت وفق النقاد والفنانين أحد أسلحة الفن في مجابهة جهل الإرهاب وتعطشه لدماء الجزائريين، فقد كانت إحدى نقاط الظل في ذلك النفق المظلم الذي عاشه أهل البلد العربي مع الإرهاب.
وسطع نجم الفنان الراحل محمد حزيم خلال أصعب وأخطر مرحلة مرت بها الجزائر، وذلك في تسعينيات القرن الماضي، رغم أن بداياته كانت مطلع الثمانينيات، وكانت نقطة تحول كبيرة في مشواره الفني رغم التهميش الذي طاله في سنواته الأخيرة.
"وبلا حدود" سلسلة فكاهية، كانت عبارة عن برنامج أنتجه وبثه التلفزيون الجزائري الحكومي من عدة أجزاء، وكانت تبث كل شهر رمضان منذ 1990، ومدتها 24 دقيقة، وبلهجة سكان محافظة وهران الواقعة غربي الجزائر.
واشتهر محمد حزيم برقصته الغريبة والطريفة التي تحولت إلى "رقصة فنية" قلدها عشرات الفنانين الجزائريين.
وكانت "بلا حدود" تعالج قضايا اجتماعية بقالب كوميدي هادف، رغم أنها كانت خالية من أية رسائل سياسية، ومع ذلك استطاعت السلسلة الفكاهية أن تتربع على عرش البرامج والسلاسل الفكاهية التلفزيونية في الجزائر، ولا زال صداها إلى يومنا.
وتضمنت السلسلة أيضاً عدة فقرات كوميدية، بينها نكات واسكتشات ودبلجات لأجزاء من أفلام غربية، قبل أن يتوقف إنتاجها مع نهاية تسعينيات القرن الماضي لأسباب بقيت مجهولة رغم النجاح الباهر الذي حققته.
ورغم ما قدمه الفنان الراحل محمد حزيم للساحة الفنية الجزائرية، إلا أنه عانى التهميش خصوصاً خلال العقد الأخير وفق ما ذكره في تصريحات سابقة لوسائل إعلام محلية.
وألقى الفنان الكوميدي الراحل باللوم على المشرفين على قطاع الثقافة في بلاده، وكذا على شركات الإنتاج، فيما اعتبر فنانون آخرون أن محمد حزيم كان نموذجاً لأولئك الفنانين الجزائريين "الذين تنكر الجميع لما قدموه ليس للساحة الفنية فقط، بل للجزائر خلال العشرية السوداء، وعاشوا بقية حياتهم في معاناة صامتة".
ولقي قرار الرئيس الجزائري الأخير بالتكفل بعلاج الفنان محمد حزيم ترحيباً فنياً وشعبياً، معتبرين أن هذه المبادرات الرسمية من شأنها إعادة الاعتبار لكبار الفنانين، إلا أن الموت كان أسرع من طائرة حزيم التي لم تنقله إلى فرنسا للعلاج، وشاءت الأقدار أن يلتحق بجوار ربه، تاركاً ورائه عشقاً واحتراماً جماهيريين كبيرين.