من أمريكا إلى الصين.. "حزب الله" أكبر شبكة مخدرات عالمية
تحقيق أمني أمريكي يرصد كيفية إدارة حزب الله وتسييره لأكبر شبكة تهريب مخدرات في العالم، وكذلك توسعاته المستمرة وعلاقته بإيران.
كشف تحقيق أمني أمريكي عن حجم الشبكة الإجرامية لحزب الله الإرهابي المنخرط في تهريب المخدرات والسلاح وغسل الأموال من أمريكا اللاتينية إلى غرب إفريقيا وأوروبا وحتى الشرق الأوسط والولايات المتحدة.
- أطنان من المخدرات والأموال والسلاح في يد حزب الله.. والسبب أوباما
- سيارات أمريكا.. ألاعيب حزب الله لغسل الأموال "القذرة"
وانطلق التحقيق، الذي حمل اسم "كاسندرا" في 2008 بعد أن جمعت إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية، أدلة بأن حزب الله تحول من مليشيات عسكرية إرهابية وجماعة سياسية متركزة في الشرق الأوسط إلى وحدة جريمة دولية تجني نحو مليار دولار سنوياً من التجارة في المخدرات والسلاح، وغسل الأموال بين نشاطات إجرامية أخرى.
إلا أن إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما وفرت الحماية السياسية وتغاضت أن جرائم حزب الله الإرهابي خلال سعيها لعقد اتفاق لوقف البرنامج النووي لإيران، وفقاً لما كشفه مسؤولون أمريكيون سابقون في "كاسندرا" وهيئات أخرى بالحكومة الأمريكية، وفق ما نقلته مجلة "بوليتيكو" الأمريكية في تحقيق خاص.
ووصل الأمر إلى أنه خلال 2016 بعد دخول الاتفاق النووي الإيراني حيز التنفيذ، بدأت إدارة أوباما في نقل أبرز مسؤولي مشروع "كاسندرا" إلى هيئات وتكليفات أخرى، ونتيجة لذلك فقدت الولايات المتحدة بصريتها ليس فقط على جرائم التهريب العالمية لحزب الله لكن على مؤامراته المشبوهة مع كبار المسؤولين الإيرانيين والسوريين والفنزويليين والروس.
وأدى تعطيل إدارة أوباما لمشروع كاسندرا أيضاً إلى تقويض الجهود الأمريكية، لتحديد كميات الكوكايين الذي يدخل الولايات المتحدة عن طريق عدة شبكات إجرامية متعلقة بحزب الله، خاصة من فنزويلا.
شبكة عالمية
وقال جون كيلي، ضابط وحدة العمليات الخاصة المراقب لحزب الله في إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية، إن "حزب الله في البداية كان منظمة ذات أهمية استراتيجة في الشرق الأوسط، ونحن شاهدناها أصبح تكتلاً إجرامياً دولياً يولد مليارات الدولارات من أخطر الأنشطة في العالم، بما في ذلك تمويل برامج الأسلحة النووية والكيماوية والمليشيات التي تعتقد أن أمريكا هي عدوها الأول".
وتعود أصول مشروع كاسندرا إلى سلسلة من التحقيقات انطلقت في الأعوام التي تبعت هجوم 11 سبتمبر/أيلول 2001 في نيويورك، والتي قادت جميعها بطرق مختلفة إلى حزب الله كمنظمة إجرامية عالمية.
وامتد التحقيق الأمني الأمريكي حول عمليات حزب الله إلى العديد من التحقيقات الأخرى، حيث كانت هناك "عملية تايتان" وهو تحقيق مشترك بين السلطات الأمريكية والكولومبية، لكشف تحالف عالمي بين تكتلات غسيل الأموال في لبنان ومهربي المخدرات الكولومبيين.
وتوجد أيضاً "عملية بيرسويس" التي كانت تستهدف العصابات الفنزويلية، وكذلك المحققين الأمريكيين الذين كانوا في غرب أفريقيا يرصدون التدفق المشبوه لآلاف السيارات المستعملة التي تأتي من تجار أمريكيين وتتجه إلى مواقف سيارات في بنين، وهي إحدى الطرق التي لجأ إليها حزب الله لغسل أموال المخدرات المهربة.
وفي الوقت نفسه، كان الجيش الأمريكي في العراق يحقق في دور إيران في تمويل وتسليح مليشيات شيعية بعبوات ناسفة عالية التقنية تعرف باسم "المتفجرات الخارقة للدروع"، والتي كانت بالفعل قتلت مئات من الجنود الأمريكيين.
واجتمعت خيوط كل هذه التحقيقات والعمليات المشتركة عند حزب الله الإرهابي الذي بدا مركز كل هذه المسارات المشبوهة.
وأشار تقرير سري صدر عن مشروع "كاسندرا" إلى أن العلاقات التجارية لحزب الله استغلت علاقات مع مسؤولين فاسدين في حكومات أجنبية وكيانات إجرامية عالمية، ما خلق شبكة يمكن استخدامها لنقل أطنان من الكوكايين وعمليات غسل أموال المخدرات على مستوى عالمي، وكذلك تهريب أسلحة ومتفجرات.
وقال التقرير إن "حزب الله كان تحت تصرفه أحد أكثر الشبكات من الأفراد والكيانات القادرة على دمج عناصر من جماعات الجريمة المنظمة مع التنظيمات الإرهابية في العالم".
"إرهاب المخدرات"
وقال مسؤولون أمنيون أمريكيون إن هذا الكشف لم يكن مفاجأة بالكامل، حيث عمل حزب الله لسنوات بالتعاون الكثب مع المخابرات الإيرانية والحرس الثوري، مع داعميه في المجتمعات اللبنانية حول العالم، لخلق شبكة من التجارة التي تم الاشتباه بها لمدة طويلة بأن تكون واجهات لعمليات بيع وشراء في السوق السوداء.
ففي نفس المسارات التي حملت دجاجاً مجمداً وأجهزة إلكترونية استهلاكية، نقلت هذه الأعمال التجارية الصغيرة أيضاً أسلحة وأموال مغسولة وحتى أجزاء مهربة لمساعدة إيران في تطوير برامجها النووية والصاروخية غير المشروعة.
وأثناء تحقيقهم، وجد عملاء مشروع كاسندرا أن حزب الله الإرهابي كان يضاعف كل جهوده للعمل سريعاً على جمع الكثير من الأموال لإعادة بناء معقله في جنوب لبنان بعد حرب 2006 مع إسرائيل.
وكشف مسؤولون في "كاسندرا" عن وثائق وتقييمات صدرت عن المشروع نفسه، أنه منذ بداية حزب الله في أوائل الثمانينيات، انخرط أيضاً في "إرهاب المخدرات"، بجمع "تعريفة" من تجار المخدرات المحليين ومزودي السوق السوداء الآخرين الذين كانوا يعملون في المنطقة التي يسيطر عليها حزب الله حينها بلبنان.
وأضافت المصادر أنه بناء على التحقيقات الموسعة التي جرت في 8 أعوام، فإن حزب الله غيّر خططه وانخرط مباشرة في التجارة العالمية للكوكايين، لتمويل عملياته الإرهابية والاغتيالات حول العالم، وتمويل وتسليح المليشيات الشيعية المنتشرة في العراق وسوريا، ومساعدة إيران في ملاحقة برنامجها النووي والصاروخي.
وقال كيلي إن "الأمر كما أنهم قلبوا الزر.. فجأة حولوا تدفق كل نشاطات السوق السوداء التي كانوا يتقاضون عليها ضرائب وتعريفات، وسيطروا على العمليات المشبوهة بأكملها".
توسع مستمر
كلما اقتربت إدارة أوباما من عقد الاتفاق النووي مع إيران خلال 2013 و2014 وحتى منتصف 2015 عندما وقع الاتفاق، زادت وتعقدت العراقيل التي تلقى في طريق مسؤولي مشروع كاسندرا، والذي كان في ذلك الحين لديه معرفة كاملة ببعض جوانب الشبكة الإجرامية لحزب الله.
وجلس مسؤولو وعملاء مشروع كاسندرا في مقرهم بولاية فرجينيا الأمريكية، بقلق متنامي التوسع العالمي المتسارع لحزب الله الإرهابي وكيف ساعدته أموال المخدرات في النمو.
واستمر حزب الله وإيران كذلك في بناء ترسانتهم العسكرية ونقل آلاف الجنود والأسلحة إلى داخل سوريا، مدعومين بانسحاب الولايات المتحدة من العراق، لتبسط طهران بمساعدة حزب الله نفوذها على مناطق واسعة من الدول التي أشعلتها الحروب.
وبدأت إيران وحزب الله في اتخاذ تحركات مشابهة في اليمن وبعض دول المنطقة الأخرى، بدعم من المال المتدفق من شبكاتهم في أفريقيا التي لم تهرب المخدرات والأسلحة والسيارات المستعملة فقظ، لكن الماس والبضائع التجارية وحتى التجارة في الرقيق.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك، حيث اكتشف المحققون "شبكة كاملة من كتائب القدس"، التابعة للحرس الثوري الإيراني، داخل الولايات المتحدة الأمريكية، تعمل على تهريب المخدرات والمروحيات ونظارات الرؤية الليلية ومعدات أخرى إلى إيران وحزب الله.
وكشف التحقيق أيضاً أن حزب الله وكتائب القدس كانت تنقل بعض عملياتها إلى الصين وأسواق جديدة أخرى لتوسيع نطاق عملهم، إلا أن عملاء مشروع كاسندرا كانوا قلقين أكثر من الدمار الذي تقوده إيران وحزب الله في أمريكا اللاتينية، "الباحة الخلفية للولايات المتحدة".
ماذا فعل ترامب؟
أشارت "بوليتيكو" إلى أن بعض مسؤولي مشروع كاسندرا، مثل كيلي، تم التواصل معهم بهدوء من قبل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وبرلمانيين جمهوريين في الكونجرس، الذين قالوا إن بعض التنازلات الخفية التي قدمها أوباما لإيران تثير تساؤلات حرجة عن الحاجة لإعادة إحياء عدد من البرامج الأمنية لمكافحة إيران.
وقال أعضاء سابقون في كاسندرا إن إعادة المشروع لن تكون سهلة، حتى مع التعهد الأخير لترامب بحملة ضد إيران وحزب الله، مشيرين إلى أنهم حاولوا إبقاء المشروع على قيد الحياة أملاً في أن يتم إحياؤه على يد الإدارة القادمة، لكن خسارة المسؤولين المهمين وخفض الميزانية وإسقاط التحقيقات ليست إلا بعض التحديات التي اتخذها ترامب منذ توليه الرئاسة.
aXA6IDMuMTQxLjIwMS45NSA= جزيرة ام اند امز