انقلاب حزب الله.. مراوغة بـ"المالية" لتفادي العقوبات الأمريكية
لم يطرأ تطور جديد على موقف الثنائي الشيعي الذي نقل المعركة من قضية تمثيل سياسي ومحاصصة إلى مشاركة طائفة كاملة بالحكم
لا يزال ثنائي الأزمة اللبنانية (حزب الله وحركة أمل) عند تصلبه باستحواذه على وزارة المالية في الحكومة الجديدة رغم كافة التحذيرات، والتي كان آخرها على لسان رئيس الجمهورية ميشال عون.
وحذر "عون" الإثنين من أن لبنان ذاهب إلى الجحيم إن لم تتفكك العقد الحكومية ويتم السير بالمبادرة الفرنسية التي يقضي أحد بنودها بتناوب شامل على الوزارات من الطوائف، وتولي اختصاصيين غير حزبيين الحقائب الوزارية.
وحتى الساعة لم يطرأ أي تطور جديد على موقف الثنائي الشيعي الذي نقل المعركة، من قضية تمثيل سياسي ومحاصصة إلى مشاركة طائفة كاملة بالحكم عبر ربط هذه الطائفة بوزارة المال، ما نتج عنه تشنج كبير تجاوز مرحلة الخلاف السياسي وانتقل إلى أزمة بين الطوائف.
وبدا ذلك جليا في مواقف رجال الدين المسيحيين وعلى رأسهم البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي انتقد بعنف تمسك طائفة بوزارة معينة، ثم الرد القاسي من المجلس الشيعي الأعلى واتهامه بـ"الكذب والطائفية" في أعلى سقف للتراشق بين رجال الدين في لبنان منذ فترة طويلة.
وبحسب المعلن، فإن موقف الثنائي الشيعي يعود إلى اتفاق الطائف (نسبة إلى موقع انعقاده بمدينة الطائف السعودية عام 1990)، والذي أنهى الحرب اللبنانية عبر قرارات واتفاقات لها قوة دستورية.
ورغم المثالثة السابقة بين الطوائف الكبرى الثلاث، فإن الشيعة يعتبرون أنهم غير ممثَّلين في رئاسة السلطة التنفيذية، بينما الموارنة لديهم رئيس الجمهورية والسُّنة لديهم رئيس الحكومة.
وسبق أن اقترح الشيعة أن يُستحدث منصب نائب رئيس الجمهورية، ويُسند إلى طائفتهم لتشترك في توقيع القوانين من خلاله.
ولتعويض الغياب الشيعي عن التوقيعات الخاصة بالقوانين والقرارات التنفيذية، جرت محاولة لتكريس عُرف بموجبه يكون وزير المال في أي حكومة، من المذهب الشيعي، بحيث يأتي توقيعه على المراسيم في المحل الثالث بالسلطة التنفيذية بعد رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة إضافة إلى الوزير المختص.
ويحتاج أي قرار تنفيذي توقيع رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، وإذا كان له بُعد مالي (وهذا ينطبق على أغلب القرارات) يحتاج لتوقيع وزير المالية.
وهذا العرف يجسّد الطريقة اللبنانية في تسيير الحياة السياسية (أو عرقلتها)، فالنظام الللبناني يقوم على موافقة الأطراف الرئيسية على أي قرارات (وهذا ينطبق على معظم المناحي السياسية التي تتطلب موافقة القوى الطائفية الرئيسية).
ورغم غياب أي نص دستوري يكرّس حصرية وزارة محددة على طائفة بعينها، فإن رئيس البرلمان نبيه بري، قال مراراً إنه تم الاتفاق على أن تكون وزارة المال للطائفة الشيعية في اجتماع الطائف.
لكن هذا القول يخالف الوقائع إذ لم تتول الطائفة الشيعية منذ الانتخابات النيابية التي جرت بعد الطائف ولا مرة واحدة وزارة المال حتى سنة 2014 التي كانت المرة التي اسندت فيها هذه الوزارة للطائفة.
آنذاك جرى تعيين علي حسن خليل المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب وزيراً عليها، وبقيت معه حتى الحكومة حيث عيّن غازي وزني الخبير الاقتصادي الشيعي المقرب من بري على رأس الوزارة.
وبحسب الخبير الدستوري عماد رعد فإن ما يجري اليوم هو بعيد كل البعد عن قضية مشاركة طائفة في الحكم، فلا نص دستوري بالمطلق سمى طائفة معينة لتولي وزارة معينة، ولم يكن المشّرع في وقتها في نية إضافة توقيع ثالث ثابت على مراسيم القوانين اللبنانية لطائفة واحدة بحجة المشاركة وإلاّ لكان أعطى لكل مذهب توقيع مشابه، كما أن الطائف لم يتحدث عن المثالثة لا من قريب ولا من بعيد.
وأشار إلى أنه ورغم ما يقال إن اتفاق لم ينشر وبقي في الكواليس عن توّلي الطائفة الشيعية لوزارة المال، فإن بري نفسه قد تخلّى عنه لصالح اتفاق عقد مع الحريري يومها يقضي بتثبيت ولاية رئيس مجلس النواب لدورة كاملة أي لمدة 4 سنوات بعدما كان نص الاتفاق على أن يعاد انتخاب الرئيس كل سنة، وفي المقابل يتم التخلي عن وزارة المال.
ويرى مراقبون أن المسألة حاليا هي سياسية بالأساس بالنسبة للثنائي، فالضغط الأمريكي على حزب الله وحلفائه، وعلى رأسهم حركة أمل وتيار المردة، والذي تجلّى مؤخّراً بالعقوبات على وزيري المالية الأسبق علي حسن خليل، والأشغال العامة الأسبق يوسف فنيانوس، لم يكن سوى لغة سياسية فهِمَها الثنائي الشيعي، فأصرَّ على الحفاظ على نفوذه في الحكومة المرتقبة.
واليوم، لا يصرُّ رئيس مجلس النواب نبيه بري، على وزارة المالية حرصاً على المال العام ولا على إدارة بلد مفلس بالأساس، وإنما لضمان الموقف السياسي لحزب الله، الذي بدأ رسمياً يشعر أن نزع وزارة المالية من الشيعة هو استهداف له.
وتعتبر مليشيا حزب الله أن الأمريكيين يصرّون على ليّ ذراعها وتهديدها بإخراجها من الحكومة المقبلة وبالتالي فإن وجود وزير ملك لديه في الحكومة المقبلة تقيه من العقوبات باعتباره أحد أركان السلطة بلبنان.
ولعل هذا يؤكده القيادي وعضو المكتب السياسي في حزب الكتائب اللبنانية سيرج داغر، موضحاً أن تمسك الثنائي الشيعي بوزارة المال يأتي ضمن مشار انقلابي تدريجي ينفذه هذا الثنائي بقيادة حزب الله على الدستور والدولة وقد بدأه منذ سنوات عديدة.
وقال داغر لـ "العين الإخبارية" إن حزب الله انقلب على المناصفة التي نص عليها الدستور واتفاق الطائف وطبق المثالثة فعلياً في وقت كان يلمّح بها في العلن.
وأضاف أن حزب الله ومن خلفه رئيس مجلس النواب طبق المثالثة في مجلس النواب من خلال اختراع نظرية الميثاقية وتطبيقه على مذهب وليس على طائفة واستطاع من عبره تعطيل البرلمان، كما مارس المثالثة في الحكومة من خلال الثلث المعطل لمذهب معين وأخيراً في الوظائف العامة.
ولفت إلى أن حزب الله في الوقت الحاضر يحاول مساواة وزارة المالية بالرئاستين الأولى والثانية من خلال ما يسمى الإمضاء الثالث وهم غافلين عن رئاسة المجلس النواب التي أعطت للطائفة مكانها في السلطة اللبنانية.
داغر اتهم مليشيا حزب الله بمحاولة الهروب من العقوبات الأمريكية عليه عبر تثبيت سلطته داخل السلطة التنفيذية في الحكم، وتقوية موقف إيران التي تخوض حرباً سياسية مع الولايات المتحدة، وبالتالي خوض حرب بالوكالة عن طهران.
واختتم حديثه بالتأكيد على أن تغيير النظام وتطويره كما يطرح الثنائي لا يكون بالانقلاب عليه كما يفعل الآن إنما من خلال القوانين ومجلس النواب وعبر توافق جميع الفئات اللبنانية وليس عبر الاستقواء بالسلاح.
من جانبه، استنكر المجلس الشرعي الأعلى في لبنان تحويل الاختلافات إلى صراعات طائفية ومذهبية، داعيا لتسهيل مهمة الرئيس المكلف ليس بتقاذف التهم والاجتهادات بخلفيات سياسية؛ بل باحترام ما نص عليه اتفاق الطائف.
وعقب اجتماع له برئاسة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبداللطيف دريان، اعتبر المجلس أن المبادرة الفرنسية هي الفرصة الأخيرة لإنقاذ البلاد.
وأكد أن تشكيل الحكومة من صلاحيات الرئيس المكلف بالتشاور مع رئيس الجمهورية كما نص عليه الدستور، مضيفاً: "العقبات والعراقيل والعوائق التي نشهدها تذكرنا بما كان يحصل للحكومات السابقة، الأمر الذي يجب تجاوزه والتزام النظام العام الذي ارتضاه اللبنانيون جميعا، ولا ينبغي أن نكون مختلفين ومتشددين في المطالب بل ميسرين ومتعاونين".
ورأى أنه من المراهقة السياسية ومن الخطورة بمكان افتعال مواقف وظروف، تعلوها علامات استفهام كبيرة، لتبرير مطالب خارج الزمان والمكان بإعادة النظر في الأسس التي توافق عليها اللبنانيون جميعا وبعد جهود كبيرة وبمساعدات عربية ودولية مشكورة.
aXA6IDMuMTQ3LjYwLjYyIA==
جزيرة ام اند امز