الاحتجاجات والنفط.. كيف تسقط الجزائر عصفورين بحجر واحد؟
الحكومة تتوقع أن يبقى سعر المزيج الصحراوي الجزائري في حدود 40-45 دولارا للبرميل هذا العام وهو ما يكفي لتحاشي كارثة في الوقت الحالي
تسبب الانخفاض الحاد في أسعار النفط في أزمة مالية للجزائر، غير أن الحكومة تحاول بعد احتجاجات سياسية واسعة العام الماضي أن تبتعد عن أي إجراء لتخفيضات كبرى في الإنفاق تجنبا للمزيد من الاضطرابات.
ولم تعلن الجزائر تفاصيل تُذكر عن التدابير التي ستتخذها لتوفير المال بل زادت الإنفاق لمواجهة جائحة فيروس كورونا التي أدت إلى هبوط شديد في الطلب على النفط.
شركة سوناطراك النفطية التابعة للدولة تقول إن هذا النهج يعكس وجهة نظر الحكومة أن انخفاض أسعار النفط مسألة تقلبات دورية وأن الأسعار ستتراوح بين 40 - 45 دولارا في العام الحالي وهو ما يكفي لتجنب تخفيضات قاسية، وفق مصدر رفيع.
كانت الجزائر مشرفة بالفعل على أزمة مالية بسبب انخفاض إيرادات الطاقة على مدى سنوات وضعف القطاع الخاص. غير أنها بدأت مؤخرا في تطبيق إصلاحات اقتصادية.
ورغم أن الحكومة والبرلمان يسلمان على الملأ بضرورة تطبيق تدابير في الأجل الطويل لتقليل العجز فهما يواجهان أيضا أكبر تحد لسلطة الدولة منذ الحرب الأهلية التي شهدتها البلاد في التسعينيات.
وأي انفجار في مشكلة البطالة بين الشباب أو أي تخفيض في نظام الدعم الاجتماعي السخي قد يطلق شرارة المزيد من الاضطرابات.
جيف بورتر الخبير في شؤون شمال أفريقيا وصاحب شركة ناركو الاستشارية يقول: "هذا النهج حقق نجاحا في الماضي لكن الجوانب المجهولة هذه المرة هي طول الفترة التي ستبقى فيها أسعار النفط منخفضة وطول الفترة التي ستستمر فيها تداعيات جائحة فيروس كورونا".
وكانت احتجاجات أسبوعية من فبراير/شباط 2019 قد أدت إلى سقوط الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بعد أن ظل يمسك بزمام السلطة على مدى عقدين من الزمان. واستمرت المظاهرات إلى أن فرضت السلطات قيودا على الحركة لاحتواء فيروس كورونا.
ولن تمس حكومة الرئيس عبد المجيد تبون الدعم المخصص للمواد الغذائية وذلك رغم زيادة أسعار الوقود بنسبة طفيفة. وتعرض الحكومة تيسيرات في سداد القروض وتيسيرات ضريبية كما وزعت منحة نقدية تعادل 80 دولارا على الأسر المحتاجة.
وقال تبون إنه يجري العمل على تقييم خسائر الشركات وإن الدولة على استعداد لتقديم الدعم المالي بل ومساعدة أصحاب الأعمال مثل سائقي سيارات الأجرة ومصففي الشعر.
وقد وعدت حكومة تبون بتخفيضات كبيرة في الإنفاق في سلسلة من الموازنات التي تزايدت القيود فيها في العام الجاري أُعلن عنها على مدار الشهور الأخيرة.
ورغم أن الحكومة نشرت تفاصيل وقف التعيينات في القطاع العام فإنها لم تكشف عن تفاصيل تذكر عن كيفية توفير الأموال باستثناء ما وعدت به من محاربة الفساد بعد القبض على بعض كبار المسؤولين بتهمة التربح من مناصبهم.
فعلى سبيل المثال يرتبط تجميد العمل في مشروعات البناء الكبرى بالقيود السارية للحيلولة دون انتشار فيروس كورونا وليس بالأزمة المالية ويقول المسؤولون إن هذا التجميد سينتهي بعد استئناف الأنشطة في البلاد.
كما وعد تبون بألا يلجأ إلى صندوق النقد الدولي وهي خطوة ستلقى معارضة شعبية بعد ما واجهته البلاد من صعوبات في التسعينيات لسداد ديون تراكمت خلال انهيار سابق في إيرادات قطاع الطاقة.
وهو يقول إن الجزائر تلقت بدلا من ذلك عروضا بالمساعدة من "دول صديقة". ولم يذكر هذه الدول بالاسم غير أن مصدرا بالحكومة قال إن الصين عرضت تقديم مساعدة مالية.
وذكر متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية أن بكين أرسلت مساعدات طبية للجزائر خلال أزمة كورونا وقال إن البلدين يرتبطان بصداقة تقليدية وشراكة استراتيجية شاملة.
استهلاك الاحتياطيات
قال المصدر إن الحكومة تتوقع أن يبقى سعر المزيج الصحراوي الجزائري في حدود 40-45 دولارا للبرميل هذا العام وهو ما يكفي لتحاشي الأزمة في الوقت الحالي. ويبلغ سعر الخام حاليا حوالي 39 دولارا للبرميل بعد أن هوى في أبريل/نيسان الماضي إلى 14.69 دولار.
وأضاف المصدر أن هذه التوقعات مبنية على افتراض أن الأسعار ستنتعش بعد رفع قيود الجائحة في مختلف أنحاء العالم.
ولم ترد وزارة الطاقة على طلبات للتعليق على ما إذا كانت الأسعار ستعاود الارتفاع إلى 40-45 دولارا للبرميل هذا العام.
إلا أنه حتى إذا ارتفعت الأسعار بهذا القدر فلن يكون لها أثر يذكر على المشاكل المالية التي تواجه الجزائر في الأجل الأطول.
فالجزائر تحتاج ارتفاع السعر إلى 100 دولار لتحقيق التوازن بين الإيرادات والمصروفات في الميزانية حسب مستويات الإنفاق الأخيرة. ومنذ انخفض سعر النفط في 2014، عملت الجزائر على تمويل العجز من خلال سحب أكثر من نصف احتياطياتها من النقد الأجنبي.
وقبل 2014، كانت إيرادات الحكومة تبلغ 60 مليار دولار سنويا. ويقول وزير المالية إن تلك الإيرادات انخفضت إلى 30 مليار دولار في العام الماضي ومن المتوقع أن تبلغ نحو 20 مليار دولار هذا العام.
ومما يزيد المصاعب التي تواجه الجزائر فيما يتعلق بالإيرادات أن مبيعات قطاع الطاقة تراجعت نتيجة لضعف أعمال تطوير الحقول وزيادة الاستهلاك المحلي وتزايد المنافسة في الأسواق الأوروبية.
ولا تزال الجزائر تملك احتياطيات تبلغ 60 مليار دولار كما أن الدين العام ضئيل. وتبلغ تكاليف الواردات الغذائية حوالي 9 مليارات دولار كل عام.
وقال مصدر حكومي إن الحكومة تعتقد أن بوسعها تغطية الاحتياجات الضرورية لمدة عامين بمستويات الإنفاق الحالية قبل أن تلجأ إلى الاستدانة.