معارضو حزب الله الشيعة.. كُل سواء تحت المقصلة
لا تفرقة بين رجل أو امرأة، شيعي أو سني، فالكل تحت مقصلة "حزب الله" سواء، والانتقام حاضر: الاغتيال معنويا كان أو جسديا.
ولطالما تعرض المعارضون لمليشيا حزب الله من أبناء الطائفة الشيعية في لبنان، إلى ضغوط ومضايقات وصلت حد التهديد والتخوين والطرد من البلدات، لا سيما في الأزمات السياسية والمنعطفات الكبرى التي تمرّ بها البلاد.
وتفتح "العين الإخبارية" على حلقتين ملف قمع حزب الله لمعارضيه عبر تحقيق لمؤسسة "أضواء" المعنية بالتحقيقات الاستقصائية في الشرق الأوسط، تنشر الحلقة الثانية منه في وقت لاحق.
لقمان.. بأي ذنب قتلت
البداية مع اغتيال الباحث والكاتب السياسي اللبناني لقمان سليم، الذي كان معروفا بمعارضته القوية لحزب الله، في 4 فبراير شباط 2021، إذ أعادت هذه الواقعة ممارسات حزب الله ضد معارضيه من أبناء الطائفة الشيعية، إلى الواجهة.
وقبيل اغتياله، واجه سليم ضغوطا وتهديدات وتحريضا نتيجة مواقفه المعارضة واتهامه حزب الله بشكل مباشر، بالمسؤولية عن جلب مادة نيترات الأمونيوم إلى مرفأ بيروت وبالتالي تحمل المليشيا مسؤولية الانفجار الذي وقع في المرفأ 4 أغسطس/آب 2020، وأدى إلى مقتل وإصابة الآلاف، وتدمير نصف العاصمة.
وبعد الإعلان عن اغتيال سليم في الجنوب اللبناني الواقع تحت سيطرة حزب الله، استعاد البعض شريط الأحداث الذي رافق مسيرته السياسية منذ صباه وحتى مقتله، فيما سجل البعض الآخر مثل نجل الأمين العام لحزب الله، جواد نصرالله، مواقف مخزية.
وكتب جواد عقب مقتل سليم، على حسابه بموقع "تويتر": "خسارة البعض هي ربح"، ليعود بعد ذلك ويحذف التغريدة إثر تعرضه للانتقاد. لكن مناصري حزب الله لم يتوانوا عن الشماتة والاحتفال بموت سليم على كافة وسائل التواصل الاجتماعي.
ولم يكن الاغتيال هو العقاب الوحيد الذي تعرض له سليم على يد حزب الله، ففي ديسمبر/كانون الأول 2019، تعرض سليم ورفاقه للاعتداء في وسط بيروت، بعد مشاركته في إحدى الندوات.
وبعدها، تلقى المعارض تهديدات في منزله الواقع في قلب الضاحية الجنوبية, معقل حزب الله. وكٌتبت على جدران منزله شعارات تتهمه بالخيانة والعمالة وتهديد صريح هو "المجد لكاتم الصوت".
وفي حينه، أصدر سليم بياناً حمل فيه حزب الله وأمينه العام حسن نصرالله ورئيس البرلمان اللبناني رئيس حركة أمل، نبيه بري، مسؤولية تعرضه لأي مكروه، قائلا "اللهم قد بلغت".
وكان لمقابلة سليم عبر " قناة الحدث" التي تحدث خلالها عن تورط حزب الله ومن خلفه سوريا في انفجار مرفأ بيروت، وقعها أيضا في سياق المعطيات التي استعادها نشطاء لبنانيون للتذكير بمواقف الراحل، وربط البعض اغتياله بهذه المواقف.
وقال سليم في المقابلة استنادا إلى معلومات أوردتها صحيفة "الجادريان" البريطانية إن رجلي أعمال ينحدران من سوريا وروسيا، يقفان خلف إحضار نترات الأمونيوم إلى مرفأ بيروت، مضيفا "نحن أمام جريمة حرب متورط فيها ثلاثة أطراف هي سوريا وموسكو وبيروت، وكل من شارك سواء بالصمت أو تقديم التسهيلات".
وفي رد على سؤال عن المتهم بتسهيل إدخال المواد إلى المرفأ، أجاب "المتهم الأول هو حزب الله الذي يملك السيطرة على المرافق".
"شيعة السفارة"
وفي مواجهة معارضين من داخل الشيعة، مثل سليم، يروج أنصار حزب الله دائما لمصطلح "شيعة السفارة"، في إشارة إلى عمالة هؤلاء المعارضين للسفارة الأمريكية.
وهذا الشعار ليس قديما، بل بدأ استخدامه غداة "ثورة الأرز" 2005 التي وقف فيها كثير من الكتاب والمثقفين والصحفيين والناشطين وحتى رجال الدين علناً ضد النظام السوري وحلفائه في لبنان.
بعدها، أخذت التسمية زخماً أكبر مع انطلاق ما يعرف بـ"ثورات الربيع العربي" في 2011، ووقوف المعارضين الشيعة مع الثورة السورية تحديداً ورفضهم مشاركة حزب الله في قمع السوريين.
وتضم قائمة "شيعة السفارة" 28 اسماً تعرض أصحابها لحملات تشويه ممنهجة عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي فضلا عن التضييق والتهديد.
وفي مقال بعددها الصادر 16 يونيو/حزيران 2015، قالت صحيفة الأخبار الموالية لـ"حزب الله" إن الإدارة الأمريكية أبلغت لقمان سليم بوقف تمويل أحد البرامج التي كُلّف بتنفيذها ويتمثل هدفها في "خلق مجموعة معادية لحزب الله كحركة مقاومة داخل البيئة الشيعية"، وذلك لـ"تغيّر في أولويات الخارجية الأميركية في لبنان"، متهمة المعارض بأنه "نجم شيعة السفارة".
الصحيفة مضت أبعد من ذلك، وقالت إن سليم "فاجأ الأمريكيين بحماسته الملحوظة عندما أخبرهم عن استعداده للتعاون مع الإسرائيليين في القريب العاجل، بعد أن ناقش الأمر مع أحد مستشاري رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتيناهو، في واشنطن".
هذا التحريض الممنهج، وما يرتبط به من محاولات شيطنة، دفع الباحثة سلمى مرشاق؛ والدة المعارض الراحل، للقول "لا ألوم فقط المنفذ بل ألوم أكثر المحرض.. المنفذ مجرد آلة".
التخوين يطول رجال الدين
مسلسل الضغوط والترهيب لا يستثني رجال الدين الذين يخالفون سياسة حزب الله وتوجهاته، والحملة التي تعرض ويتعرض لها المفتي الجعفري السابق لمدينة صور، علي الأمين، خير دليل.
ووصل الأمر إلى اتهام المفتي السابق بالعمالة لإسرائيل على خلفية مشاركته في مؤتمر لحوار الأديان أقيم في البحرين عام 2019، وحرك أنصار حزب الله دعوى قضائية ضدّ الأمين، قبل أن يتم التراجع عنها إثر الرفض الواسع للخطوة.
ففي 23 يونيو/حزيران 2020، أوردت وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية خبرا مفاده بأن النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان اتهمت، بناء على الدعوى المقدمة من المحامي غسان المولى، علي الأمين بجرائم “الاجتماع مع مسؤولين إسرائيليين في البحرين، ومهاجمة المقاومة بشكل دائم، والتحريض بين الطوائف وبث الدسائس والفتن، والمس بالقواعد الشرعية للمذهب الجعفري".لكن الوكالة تراجعت عن الخبر، واعتذرت عن نشره بهذه الصيغة، مشيرة إلى أن "الأمر لا يعدو كونه زلة وقع فيها مندوبها".
وبعد مشاركته في مؤتمر البحرين عام 2019، تعرض الأمين لانتقادات وصلت إلى حد اتخاذ "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى" في لبنان، قرارا بعزله من الإفتاء الجعفري لأنه "عمل على تأجيج الفتن الداخلية بين اللبنانيين، وبسبب رؤيته التطبيعية مع الاحتلال"، بحسب القرار.
وردا على ذلك، قال الأمين آنذاك إن "حملات التخوين هذه جاءت تتويجًا لمجموعة من الحملات القديمة التي قام بها حزب الله لرفضي للمشروع الإيراني الذي يحمله للمنطقة، ولمطالبتي الدائمة عندما كنت في الجنوب، بمشروع الدولة، وانتشار الجيش في المنطقة، وحصر السلاح بالمؤسسات العسكرية والأمنية على كل الأراضي اللبنانية".
وأوضح أن "الخلاف مع الثنائي الحزبي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) ليس جديداً. فهو يعود إلى سنوات كثيرة خلت وعقود مضت سبقت إبعادهم لي من الجنوب في أحداث السابع من أيار (مايو) 2008 بقوّة السلاح".
وفي 22 فبراير/شباط الماضي، قال الأمين في رد على اتهامه بـ"العمالة"، "وظلم ذوي القربى أشدّ مضاضة على المرء من وقع الحسام المهنّد".
وأضاف "الأحزاب المستقوية بالسلاح وشعار مقاومة العدو تحاول أن تلصق تهمة العمالة والخيانة بمعارضيها؛ فهي لا تجد القدرة لديها على محاورة الأفكار ومناقشة الآراء، فتسعى لإسقاط المعارضين لها في أعين أتباعها وأنصارها، وتصنع غطاءً يبرر الاعتداء عليهم تحت العناوين الباطلة".
وأكد الأمين "لم أتمكن من زيارة مدينتي صور منذ أن أخرجت منها بقوة السلاح في أحداث السابع من مايو/أيار 2008، ولم أتمكن على الرغم من الدعاوى القضائية من استعادة مكتبتي وأغراضي الشخصية التي كانت في إدارة الإفتاء الجعفري عند اجتياحها من قبل العناصر المسلحة، والتي حولوها فيما بعد إلى مقر حزبي حتى يومنا هذا"، في إشارة إلى حزب الله.
الأنثى مثل الرجل.. في القمع
تشكل حالة الإعلامية ديما صادق والحملات التي تشنّ ضدها على وسائل التواصل الاجتماعي نموذجا لعمل الجيوش الإلكترونية التي تنشط في لبنان ويشكل جمهور حزب الله جنودها غير الرسميين.
وفي منصات التواصل الاجتماعي، يختلط العداء السياسي بالقيم الذكورية حيال امرأة، وتطرل الانتقادات والعبارات الجارحة امرأة لأنها تملك رأيا مخالفا لأبناء طائفتها، إلى حد بات معه "هاشتاق الإساءة"، "#ديما_الواطية" الأكثر انتشاراً.
ولا يقتصر الأمر على توجيه الإهانات لشخص ديما، وإنما يصل إلى حد السخرية من وضع ابنتها الصحي، وإرسال صور مفبركة وإساءات وتهديدات على هاتف والدتها.
وبدأت أولى الحملات ضد ديما صادق مع انطلاق الانتفاضة الشعبية في لبنان في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، حيث كتبت المعارضة على صفحتها بمنصات التواصل الاجتماعي، في رد على شعار "كلن (الكل) يعني كلن "الكل" الذي طالب برحيل كل النخبة السياسية، "نصر الله واحد منن".
وكان الرد سريعا، إذ أطلقت الكتائب الإلكترونية لحزب الله حملة تشويه ضد ديما تحت هاشتاق "#رقاصة_الرينغ"، في إشارة إلى جسر الرينغ في وسط بيروت؛ حيث جرت التظاهرات.
وفي 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وبعد سيل من الإساءات والصور التي تلقتها والدة ديما على هاتفها، غردت الناشطة على تويتر قائلة "اليوم استيقظت على خبر أن أمي بالعناية "الفائقة". أمي عملت "تعرضت لـ" جلطة بالدماغ"، "مين عمل فيها هيك؟ انا أو هني "في إشارة لحزب الله"؟ ما بعرف. أو يمكن تنايناتنا".
وفي 7 يوليو/تموز 2020 أيضا، وعلى أثر تغريدة تنتقد فيها حزب الله، رد الإعلامي المحسوب على الحزب، علي مرتضى متوعداً ديما: "صدقيني من باب الإيمان المطلق، قريبا رح توقعي وقعة "سقوط" كبيرة جدا جدا".
ولم تتوقف التهديدات. ففي 29 سبتمبر أيلول 2020، نشرت صادق عبر حسابها على "تويتر"، صورة من هاتفها لرسالة تهديد بالقتل والتفجير، تصفها بكلمات خارجية وتسيء لها ولوالدتها، مرفقة بمقطع فيديو لكلب قبل تفجيره.
قصير.. الاختلاف خيانة
على خلاف المعارضين المعروفين لحزب الله، فإن الصحفي والباحث قاسم قصير يعتبر من المقربين للحزب ويعبّر عن توجهاته إلى حد كبير.
لكن رغم ذلك، فإن مجرد "انتقاده الناعم" لبعض ما قام به الحزب في المرحلة الأخيرة ودعوته إياه لاعادة تصويب مسار سياسته في لبنان، كان كفيلا بأن يتحوّل الصحفي إلى خائن في نظر الموالين للحزب ومناصريه، ونال نصيبه من حملة تشويه السمعة والتهديد، حتى جبر على التراجع عن تصريحاته.
ووسط الأزمة، نشرت "مؤسسة سمير قصير"؛ مركز دفاع عن الحريات، تقريرا حمل عنوان "الصحفي قاسم قصير يتعرّض لحملة تحريض وتخوين وشتم على خلفية مقابلة تلفزيونية".
لكن الحملة الممنهجة ضد قصير تزايدت، ووصل الأمر إلى التخوين تحت هاشتاج "#قاسم_قصير"، واتهم بتلقي الأموال مقابل تصريحاته.
وفي النهاية، عاد قصير واعتذر لـ"جمهور المقاومة" على حد وصفه. وقال "أتوجه إلى جمهور المقاومة الذي أحب، بالاعتذار إن مسته مقابلتي في مكان ما، مع التأكيد للجميع أنني لازلت ملتزما بخيار المقاومة حتى تحرير كافة الأراضي المحتلة ودعم المقاومة الفلسطينية، وأنني لم أتخل ولن أفعل عن هذا الخيار، مع دعوتي إلى تحاور اللبنانيين من أجل حفظ لبنان ووحدته ولمواجهة الكيان المحتل".
علي.. التهديد ضد الترشيح
كان ثمن تجرؤ الصحفي ورئيس تحرير موقع جنوبية، علي الأمين، وترشحه للانتخابات النيابية في معقل حزب الله في منطقة بنت جبيل في جنوب لبنان، هو تعرضه لتهديدات بالقتل مصدرها عناصر في الحزب، بحسب ما أعلنه الأمين.
وفي شهر أبريل نيسان عام 2018، تعرض الأمين في خضم الحملات الانتخابية لاعتداء بالضرب في منزله في الجنوب، وأعلن في مقطع فيديو أنه "تعرض لكمين من قبل أكثر من 30 شخصا محسوبين على حزب الله"، واصفا اياهم بـ"البلطجية".
وأوضح "تم الهجوم علي إثر قيامي بتعليق صورة كمرشح للانتخابات" بعد أن تعرض للتهديد والتحذير كخطوة أولى.
وأعلن الأمين في حديث لـ "قناة الحرة" الفضائية الأمريكية أنه تقدم بدعوى ضد حزب الله، واصفا ما تعرض له بـ"محاولة قتل"، وأنه يختصم في دعواه حزب الله وليس الأفراد الذين اعتدوا عليه.
aXA6IDE4LjIyNi4yMjIuNzYg جزيرة ام اند امز