للتاريخ رأي آخر.. السياحة ستنجو من كورونا
تمكنت السياحة دوما من التعافي، لأن الفاعلين في القطاع متكيّفون مع الأزمات سواء كانت اقتصادية أم دبلوماسية أم اجتماعية أم صحية
قضى فيروس كورونا المستجد على السياحة في جميع أنحاء العالم تقريبا، وبينما يعتقد الخبراء الاقتصاديون أن عودة القطاع ستكون شديدة الصعوبة في ظل تغير اتجاهات السفر في عالم ما بعد "كوفيد 19"، يبدو أن للتاريخ رؤية مغايرة.
يمتلك قطاع السياحة ميزة هيلكية يتفرد بها، وهي أنه يحظى بـ"قدرة تكيّف" عالية ستساعده في تخطي أزمة فيروس كورونا المستجد، على الرغم من أنه لم يشهد سابقا أزمات بهذا الحجم، وفق تقدير المؤرخ يوهان فنسنت.
وفنسنت ينجز حاليا أبحاث ما بعد الدكتوراه في الدراسات العليا للسياحة والخدمات الفندقية في جامعة أنجيه الفرنسية، وشارك في تحرير كتاب "السياحة والحرب الكبرى: رحلات على جبهة تاريخية مجهولة (1914-2019)"، المنشور عام 2019 عن دار كودكس.
التعامل مع الأزمات السابقة
ويقول فنسنت لـ"فرانس برس"، إنه حتى الآن، وعلى الرغم من أن كل شيء نسبيّ، تمكنت السياحة دوما من التعافي، لأن الفاعلين في القطاع متكيّفون مع الأزمات سواء كانت اقتصادية أم دبلوماسية أم اجتماعية أم صحية".
وتابع: "مع ذلك، لا يوجد طابع شمولي في أغلب الأزمات الصحية السابقة، سواء تلك المتعلقة بفيروس السارس أو إيبولا، إذ كانت محليّة أكثر".
وفي الواقع تحوي الأزمة الحالية، بحسب فنسنت عدّة أزمات أخرى، لكن الهياكل الدولية الكبرى معتادة على الأزمات، إذ تعاملت مع أربع أو خمس أزمات صحية منذ مطلع الألفيّة، وشهدت أيضا أزمات مرتبطة بالإرهاب والمسائل الاجتماعية، وغيرها.
وتابع: "في المقابل، لم يتضرر المستثمر الصغير الذي يملك فندقا صغيرا بالضرورة من تلك الأزمات، لذلك تبدو له الأزمة الحالية قاسية، إذ لم يختبر مثلها سابقا".
ويوضح المؤرخ أن الحرب العالمية الأولى لم تمنع الناس من التنقل، حيث تنقل الفرنسيون من المنطقة الباريسية مثلا إلى السواحل، وتم استقبال عسكريين أجانب أمريكيين وكنديين وأستراليين تمكنوا من اكتشاف البلاد.
وتابع: "أكسبهم ذلك دراية بالمناطق، وفتح آفاق لقدوم سياح مستقبليين".
وأضاف: "كما أدت أزمة عام 1929 التي عشناها مع فارق زمني بسيط، إلى انهيار السياحة الفاخرة، بينما حوّلت الحرب العالمية الثانية السواحل إلى منطقة نزاع، ما أدى إلى توجه السياحة إلى المناطق الداخلية".
وحسب فنسنت، تزامن ذلك مع تبني الدولة الفرنسية خطابا حول العودة إلى التراث والبحث عن الجذور.
وأضاف: "نلاحظ وجود المزاج نفسه مع انتهاء الحرب، يضاف إليه تحديث القطاع الفندقي في المدن التي تعرضت للقصف، خصوصا على السواحل".
وبينما أدى الهجوم على مركز التجارة العالمي عام 2001 إلى تراجع وجيز للسياحة العالمية، كان تشجيع السياحة إحدى الإجابات عن الأزمة الاقتصادية في أوروبا عام 2008.
أثر الأزمة الراهنة
ويؤكد فنسنت أن القطاع السياحي التقليدي سيتعافى من هذه الأزمة، لكن قد تؤدي هذه الأزمات إلى تغيّرات.
وأوضح: "من الأمثلة التاريخية على ذلك ما حصل مع نخب أمريكا الجنوبية خصوصا الأرجنتينية، التي كانت معتادة على قضاء فترة من العام في المنتجعات الساحلية الأوروبية، لا سيما في دوفيل (شمال غرب) وبياريتز (جنوب غرب) الفرنسيتين".
وأضاف: "أثناء حرب الغواصات في الحرب العالمية الأولى، لم يعد بإمكان تلك النخب عبور البحر في السفن، وصارت تتوجه إلى مار ديل بلاتا (على الساحل الأرجنتيني) التي تحولت اليوم إلى منتجع ساحلي ضخم".
وقال فنسنت إن الوضع الحالي سيظهر كامل قدرة القطاع على التكيّف، على الرغم من أننا لا نعلم إن كان جميع المهنيين قادرين على التعامل مع الإشكاليات الحالية، أم لا، حيث يتطلب الأمر ضخّ استثمارات في قطاع كان يعيش أصلا تغيّرات مع بروز خدمات مثل "آر بي إن بي" والاقتصاد التشاركي والتضامني.
aXA6IDE4LjIyNS4yNTUuMTk2IA== جزيرة ام اند امز