عملية تجسس انتهت قبل أن تبدأ.. أفشل جواسيس التاريخ
يقف خلف معنى مصطلح "جاسوس"، تاريخيا، الكثير من التدريب والكفاءة والدهاء، وخلف صورته مظهرا لشخص "داهية" ذي رهبة وثبات انفعالي فائق.
لكن التاريخ عرف قصصا عكس ذلك، جواسيس دون الكفاءة والدهاء، يثيرون الشكوك من أول وهلة، ويبيعون القضية قبل أن تبدأ المعركة.
في السنة الثالثة من الحرب العالمية الثانية، أرادت ألمانيا النازية التأثير على الولايات المتحدة وإرباك الداخل الأمريكي لدفعها إلى الانسحاب من الحرب.
لذلك، كلف النازيون عملاء سريين، عام 1942، بالهبوط على الساحل الشرقي لأمريكا، ونشر الخوف بين المدنيين وتدمير محطات الطاقة والمصانع ومترو الأنفاق وحتى المتاجر المملوكة لليهود.
أراد نظام هتلر من أولئك، رجال عملية "باستوريوس" التجسسية، مهمة أهدافها بسيطة للغاية، إلحاق ضرر بالأمريكيين، وضرب الروح المعنوية العامة وبالتالي إبعاد أمريكا، القوية في الحرب آنذاك، من طريق برلين.
ومع ذلك، كان الواقع مختلفا تماما، سواء بسبب أن العملاء لم يكن لديهم هذا الدافع الأيديولوجي لتنفيذ أهداف مهمتهم أو أنهم كانوا غير أكفاء تماما.
يمكن القول إن رجال "باستوريوس" هم أسوأ جواسيس الحرب العالمية الثانية، وربما كان زعيمهم، جورج جون داش، الأكثر سوءا في المجموعة.
وبعد وصول رجال داش لجزيرة "لونج آيلاند"، تم رصدهم على الفور من قبل ضابط خفر السواحل، واقترب ليتحقق منهم.
ما كان متوقعا في هذا الموقف، هو أن يسود الهدوء ويبرز التدريب الجيد بين الجواسيس، لكن ما حدث كان العكس تماما، إذ اقترب القائد داش من الضابط وحاول تقديم رشوة له، مما أثار شكوك الضابط.
ثم انضم عضو آخر من المجموعة، شاب اسمه إرنست بيتر برجر، لمحاولة السيطرة على الضابط، ليبدأ القائد وبرجر في التحدث بلغتهما الأم الألمانية، في سقطة لا تحدث من هواة.
تظاهر ضابط خفر السواحل الأمريكي- الذي كان أعزل- بقبول الرشوة، لكنه ذهب للحصول على المساعدة من زملائه، وعندما عاد إلى نفس المكان، اختفى الجواسيس.
بعد هذه الواقعة، قرر داش تسليم نفسه، ربما كان مرعوبا من حادثة الضابط، أو شعر بأنه لم يُخلق ليكون جاسوسا، وربما رأى العملية برمتها فاشلة: فما التأثير الذي يمكن أن تضفيه مجموعة صغيرة من الرجال على مسار الحرب المدمرة؟.
وانضم لقراره برجر، لكن لم يطلقا رصاصتهما الأخيرة فورا؛ قرروا قضاء يوم للاستمتاع بالخمور والمقامرة، وبعدها اتصل داش بمكتب التحقيقات الفيدرالي، وأعطى الاسم الرمزي لعمليته.
وأفصح داش عن تفاصيل جواسيس آخرين في أمريكا وتم القبض على 6 آخرين عملاء في مناطق مختلفة.
وبسبب استعداده للتعاون، حُكم على داش بالإضافة إلى برجر، بالسجن 30 عامًا، فيما أُعدم الجواسيس الستة الآخرون في غضون أيام.
وبمجرد انتهاء الحرب، وافق الرئيس الأمريكي آنذاك هاري إس ترومان على منح العفو للثنائي، بشرط عودتهما إلى ألمانيا وعدم وضع قدميهما على الأراضي الأمريكية مرة أخرى، لتنتهي قصة الجواسيس التي لم تكررها ألمانيا حتى انتهاء الحرب.