حظر حزب الله.. خلفيات قرار البوندستاج وتداعياته المحتملة
القرار يدعو لضرورة التوقف عن الفصل بين الذراعين السياسية والعسكرية للتنظيم وأهمية إدراجه ككل على قائمة الاتحاد الأوروبي للإرهاب.
تُعَد خطوة البرلمان الألماني (البوندستاج) بحظر حزب الله سابقة من شأنها أن تنعكس على وجود التنظيم وأنشطته في برلين، وحال تبني الحكومة القرار؛ فمن المتوقع أن تترتب على ذلك مجموعة من التداعيات تمس عددا من الأطراف المعنية.
وصوّت البرلمان الألماني في يوم 19 ديسمبر/كانون الأول الجاري، بأغلبية كبيرة على تمرير قرار غير ملزم يدعو الحكومة إلى حظر جميع أنشطة تنظيم حزب الله اللبناني في البلاد.
ويدعو القرار أيضا إلى ضرورة التوقف عن الفصل بين الذراعين السياسية والعسكرية للتنظيم، وأنه يجب إدراج حزب الله ككل على قائمة الاتحاد الأوروبي للمنظمات الإرهابية.
أما عن مبررات تبني هذا القرار فقد أعلنها مقدموه على لسان المتحدث باسم شؤون السياسة الداخلية بالكتلة البرلمانية للاتحاد المسيحي ماتياس ميدلبرغ، في بيان له، أنه من غير المقبول أن يشن حزب الله عمليات إرهابية ضد إسرائيل، ولا سيما أن تلك العمليات يتم تمويلها من خلال أنشطة إجرامية تنفذ في جميع أنحاء العالم، وهو ما يرتب على الحكومة الألمانية اتخاذ تصرف ما في هذا السياق "بالنظر إلى مسؤوليتها الخاصة تجاه إسرائيل".
وهو ما أيده وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، الذي طالب بـ"استنفاذ الوسائل القانونية" في ألمانيا لـ"معالجة الأنشطة الإجرامية والإرهابية لحزب الله"؛ وذلك لأنه "ينكر حق إسرائيل في الوجود ويهدد باستخدام العنف والإرهاب، كما يواصل تحديث ترسانته الصاروخية على نطاق واسع"، على حد وصفه.
تجدر الإشارة إلى أن موافقة البرلمان الألماني على القرار تمت بأغلبية مثّلها أعضاء كتلة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والديمقراطيون الاشتراكيون، والديمقراطيون الأحرار.
فيما امتنعت بعض الأحزاب الأخرى الممثلة في البرلمان عن التصويت، مثل حزب "اليسار"، الذي برر موقفه بأنه لا يمكنه التصويت لصالح القرار؛ لأن إضافة حزب الله إلى قائمة الاتحاد الأوروبي الإرهابية قد تعقّد العلاقات مع لبنان.
من جانبهم أرجع أعضاء من حزب "الخضر" امتناعهم عن التصويت لصالح القرار إلى تضمنه بعض التفاصيل التي اعتبروا أنها قد تفضي إلى "تدخل عسكري" بالشرق الأوسط، وإن أكدوا تأييدهم باقي بنود القرار.
انقسام أوروبي وضغوط أمريكية
يأتي قرار البرلمان الألماني في هذا السياق وسط تقارير إعلامية متواترة حول تبني الحكومة هذا القرار؛ ما أثار موجات متعددة من الآراء المؤيدة والمعارضة للقرار لاعتبارات متباينة.
ويمكن اعتبار الجدل الداخلي في ألمانيا حول هذا القرار امتدادا للجدل بين دول الاتحاد الأوروبي والدول الغربية بصفة عامة في هذا الصدد.
فقد أدرج الاتحاد الأوروبي الجناح العسكري لحزب الله على قائمة الإرهاب في عام 2013، غير أنه لم يدرج ضمن تلك القائمة الجناح السياسي للحزب، وهو ما فسره المراقبون آنذاك بكون الحزب على مدار السنوات الأخيرة جزءا من الحكومات اللبنانية المتعاقبة.
بيد أن تطورا مهما حدث في هذا الصدد مع توجه بريطانيا في مارس/آذار 2019 إلى تصنيف التنظيم برمته على أنه تنظيم إرهابي، مؤكدة أنه لا فرق بين جناحيه السياسي والعسكري ولا بد من حظره.
تبعت بريطانيا في ذلك دول أخرى مثل هولندا وكندا، والولايات المتحدة الأمريكية التي تدعو برلين إلى اتخاذ هذا القرار منذ سبتمبر/أيلول 2019.
غير أن برلين كان عليها التعاطي مع رفض البرلمان الأوروبي الموافقة على حظر "حزب الله" بجناحيه، بسبب معارضة بعض الدول "أهمها فرنسا" لذلك.
يأتي ذلك مع تصاعد القلق لدى هذه الدول الأعضاء من أن تصنيف “حزب الله” كمنظمة إرهابية بشكل واضح وصريح قد يدفع به إلى الاعتداء على المصالح الأوروبية أو إلى استهداف قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان.
تداعيات قرار البرلمان الألماني
على الرغم من أن قرار البرلمان الألماني غير ملزم، بل يرى كثيرون أنه لا يعدو كونه توصية؛ فإنه في نهاية المطاف سيدفع الحكومة إلى فرض حظر كامل على أنشطة حزب الله، لا سيما بالنظر إلى خارطة التصويت على القرار في البرلمان والتي توضح مساندة الحزبين الحاكمين ومعظم المعارضة لاستصدار هذا القرار؛ ما يجعل تفعيله مرجحا.
وحال تبني الحكومة الألمانية قرار حظر حزب الله بجناحيه العسكري والسياسي؛ فمن المتوقع أن تترتب على ذلك مجموعة من التداعيات تمس عددا من الأطراف المعنية، يمكن تسليط الضوء على أبرزها على النحو التالي:
- التداعيات المتوقعة على حزب الله
تُعَد خطوة البرلمان هذه بحظر الحزب سابقة من شأنها أن تنعكس على وجود حزب الله وأنشطته في ألمانيا، حيث سيتغير ولا شك الوضع القانوني للحزب؛ حيث سيتم تجميد أموال وأصول حزب الله في على نطاق أوسع من ذي قبل وسيخضع للمراقبة المكثفة.
كما ستحظر أنشطته ودعايته ولن يسمح له برفع راياته حتى، وهو ما يعني من ناحية أولى إضعاف معنويات مؤيدي حزب الله في ألمانيا لا سيما مع فقدانه الكثير من زخمه الجماهيري و"ماركته" الدعائية.
ومن ناحية ثانية، سيصبح موقف “حزب الله” أكثر تعقيدا بعد تحوله من مجرد حركة مقاومة إلى حركة إرهابية محظورة دوليا.
وفي هذه الحالة أيضا على الحزب أن يواجه احتمالات امتداد حظره لعدد آخر من الدول الأوروبية التي من المتوقع أن تتشجع للحاق بألمانيا وبريطانيا، لوضع حزب الله، الجناح السياسي على قائمة الإرهاب.
- التداعيات المتوقعة على الداخل الألماني
وفق تقرير وكالة الاستخبارات في برلين لعام 2019، يعيش 250 من أعضاء حزب الله في العاصمة الألمانية، وينشط ما مجموعه 1050 من أعضاء وأنصار حزب الله في جميع أنحاء ألمانيا.
كما تكشف تقارير استخباراتية أخرى عن وجود عدد من المراكز الدينية المحسوبة على الحزب مثل "مركز المصطفى المجتمعي" و"مسجد الإمام مهدي زينتروم" في شمال ألمانيا تعد مراكز رئيسية لجمع الأموال لصالح حزب الله.
ومن ثم يحذر كثيرون من أن تفعيل هذا القرار يمكن أن يقود أنصار حزب الله إلى تأسيس جمعيات ومؤسسات جديدة بأسماء جديدة ومختلفة، وهو ما يعد التحدي الحقيقي الذي على الحكومة الألمانية أن تواجهه جراء ذلك.
- العلاقات الألمانية مع لبنان
يحذر قطاع عريض من المراقبين من أن حظر ألمانيا لحزب الله من شأنه أن يؤثر سلبا وبشكل مباشر على علاقاتها مع لبنان، خاصة أن تنظيم حزب الله ممثل عبر ذراعه السياسية منذ عام 1992 في البرلمان اللبناني.
وفاز حزب الله في الانتخابات البرلمانية لعام 2018 بـ13 مقعدا ليشغل بذلك نحو 10% من مجموع مقاعد البرلمان اللبناني و3 حقائب في الحكومة.
- العلاقات الألمانية مع إيران
هناك العديد من علامات الاستفهام حول حدود تأثير قرار الحظر بفرض تطبيقه على العلاقات بين برلين وطهران.
فعلى الرغم من العلاقات الوثيقة التي تربط حزب الله مع النظام الحاكم في إيران؛ فإنه لا يمكن القول إن طهران ستتخذ رد فعل قويا إزاء هذا القرار، ولا سيما أن صناع القرار في إيران مجبرون في اللحظة الحالية على الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع ألمانيا ودول الاتحاد الأوروبي بصفة عامة خاصة في ظل الحصار أو العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية ضد طهران.
ما يعني أن على طهران أن تعطي قرار الحظر أهمية محدودة لا تؤثر سلبا على شبكة علاقاتها بالقارة الأوروبية.
aXA6IDMuMTM5LjcyLjE1MiA= جزيرة ام اند امز