علي خامنئي ترجم كتب سيد قطب ونقل فكره كاملا، ولم يخف الرجل إعجابه بحاكمية سيد قطب، بل عمل بها في كثير من المواقف
قد يستغرب البعض هذا المسمى، فالتنظيم العالمي ارتبط بجماعة الإخوان المسلمين، وحزب الله ارتبط بلبنان، لكن المدقق في تطورات أدبيات الحزب يجد أن قادته يستنسخون تجربة الإخوان المسلمين في شقها العالمي. الجميع على علم بأن حزب الله له جناح سياسي متمثل في كتلة الوفاء للمقاومة في البرلمان، وله جناح عسكري متمثل في مجلس الجهاد، لكن ثمة من ينكر أن للحزب تنظيما عالميا يتحرك خارج حدود لبنان، بل خارج جغرافيا العالم العربي.
في المحصلة، آن الأوان لأن نسمي الأشياء بأسمائها، وألا ننساق خلف التعريفات التي تبعدنا عن فهم الجوهر الحقيقي لمثل هذه التنظيماتالبعض مجازا يطلق على تحركات الحزب الخارجية لجنة العلاقات الخارجية للحزب، وكأننا نتحدث عن سفارة أو وزارة أو مؤسسة حكومية، لا نتحدث عن تنظيم يسير على خطى التنظيمات الإرهابية نفسها بكل تفاصيلها، حتى لو كان للحزب حضور سياسي ومقاوم في السابق. لكن الذي تكشف للجميع أن الحزب ليس كيانا قائما بذاته، ويعبر عن ذاته بقدر ما هو أداة في يد طهران تحركها لتنفيذ أجندات خارجية بذراع عربية.
مؤخرا كشفت مجلة "ديرشبيجل" الألمانية أن الحكومة الألمانية بصدد حظر نشاط مليشيا حزب الله في ألمانيا، ومعاملة عناصره كما تُعامل عناصر داعش، المصدر أضاف أن هناك شبه إجماع داخل الحكومة على تنفيذ الحظر، هذا الإجماع اتُخذ بناء على تقارير استخباراتية تشير إلى تزايد المنتمين للحزب حتى وصلوا إلى ما يقارب 1500 عنصر يمارسون أنشطة تجارية أشهرها تجارة السيارات.
تواصلت شخصيا مع السيد مصطفى العماري عضو مجلس الأمناء في الحزب الألماني الحاكم، وهو ألماني من جذور عراقية، وسألته عن خلفيات هذا القرار، وأكد لي أن هناك معلومات تكاد تكون مؤكدة عن نية إيران تحريك أذرعها في أوروبا لعمل ضربات تشتت الانتباه عما يحدث في إيران وفي العراق وفي لبنان، والترجيحات تضع ألمانيا في أولوية الأماكن المستهدفة؛ لأنها تشهد وجودا أكبر لعناصر حزب الله.
وأكد لي أنهم لا يستبعدون تكرار حادثة مدينة "بورغاس" البلغارية، والتي تم تفجير حافلة أودت إلى مقتل سبعة أشخاص وجرح ما يقارب الثلاثين، والتي اتهمت الشرطة البلغارية خلية لحزب الله.
إذا نحن أمام وجود فعلي وحقيقي لعناصر حزب الله منتشرين في العالم العربي وفي أوروبا وأمريكا، وجود يتم الحديث عنه كلما تم الكشف أو الإعلان عن خلية أو تفجير ويكون على فترات متباعدة. عمليات تحدث إذا ما أرادت إيران تحريك العالم أو تصفية حساباتها مع طرف أوروبي أو عربي خارج ملاعبها، فالاستراتيجية الإيرانية تفضل دائما أن تدير معاركها على ملاعب غيرها، ومن هنا يتأكد لنا أن عدم الحديث عن نشاط حزب الله خارجيا لا يعني أنه غير موجود.
الجديد الذي أضيفه هو المسمى والأدبيات والتكتيك، هو التكتيك نفسه الذي اتبعه الإخوان في كل شيء ما عدا شيء واحد لم يفعله "التنظيم العالمي لحزب الله"، وهو الاجتماعات العلنية كما يفعل التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، الإخوان السلمون وصل بهم التبجح بأنهم يذيعون اجتماعات تنظيمهم العالمي على الهواء، نذكر ما حدث في تركيا مثلا إبان نجاح ثورة 30 يونيو في مصر 2013. وحتى قيادات التنظيم العالمي كنا نعرفه بالاسم والشكل مثل يوسف ندا، الذي شغل منصب مفوض العلاقات الخارجية للإخوان المسلمين، وهو بنك التنظيم العالمي للإخوان.
والتنظيم العالمي لحزب الله تعلم الدرس وأصبح أكثر خبرة ودهاء في التعامل فجعل كل شيء طي الكتمان والخفاء، فأصبحنا نرى أفعال التنظيم ولا نرى التنظيم، أما في جماعة الإخوان فكنا نرى ونعرف التنظيم ونرى ونعرف أفعاله، ولكن كيف استفاد "حزب الله" من الإخوان المسلمين؟
تحدثت سابقا في مقالات كثيرة عن تلك العلاقة القوية التي ربطت الفكر الخميني بالفكر الإخواني، وربطت العقلية الخامنئية المتمثلة في المرشد الإيراني الحالي علي خامنئي بـ"سيد قطب".
علي خامنئي ترجم كتب سيد قطب ونقل فكره كاملا، ولم يخفِ الرجل إعجابه بحاكمية سيد قطب، بل عمل بها في كثير من المواقف.
التنظيم العالمي للإخوان في مصر تكون تكوينا فرضته الضرورة كما يرددون دائما، فلقد كان التنظيم العالمي للإخوان مجرد مكتب أو لجنة تتابع ممثلي الجماعة خارج مصر، لكن بعد أن كشفهم عبدالناصر وبدأ يتعامل معهم في موجة الاعتقالات الأولى عام 1954، وبعدها أيضا بعشرة أعوام عام 1964 بدأوا يفكرون في تطوير هذا اللجنة إلى عمل مؤسسي كبير، فبدأوا يدعون ممثلي الجماعة في جميع أنحاء العالم ويعقدون اجتماعا سنويا، بل أصبح لهؤلاء هيئة عليا تختار المرشد العام للجماعة.
التنظيم العالمي للإخوان اختار أوروبا مكانا لتحركهم لا سيما لندن، وهو الذي أدار ويدير ما يحدث من قلاقل في مصر وفي كثير من الدول العربية، ويتمركز في تركيا الآن.
حزب الله تجربته مختلفة تماما، لكن النتائج واحدة، وفكرة التحرك واحدة أيضا، الكل يعرف ظروف تأسيس حزب الله على خلفية اجتياح إسرائيل لبنان عام 1982، وأول عملية قام بها عام 1983، وهي تفجير مقر القوات الأمريكية والفرنسية مما أدى إلى مقتل 300 جندي أمريكي وفرنسي، كانت عملية ضخمة عملت له شهرة واسعة جعلت أعين الخميني تلتفت إليه.
ظل الحزب أمينا مع مبادئ تأسيسه حين تولى قيادته صبحي الطفيلي 1989 وحتى 1991، وبعده تولى عباس الموسوي حتى اغتاله الإسرائيليون عام 1992، وبعده جاء حسن نصرلله وما زال مستمرا.
جعل نصرالله ولاء الحزب الكامل إلى الفكرة الخمينية وولاية الفقيه وإلى طهران، ولاء تجاوز الأبعاد السياسية إلى الدينية والعقدية، وحطم مفهوم المواطنة اللبنانية، فلبنان بالنسبة للرجل هو مقر الحزب فقط.
وهنا علينا الإشارة بل التأكيد على مجموعة من المعلومات المهمة التي تضبط الرصد السياقي لفكرة التنظيم العالمي لحزب الله:
أولا: حزب الله نفسه تم الدخول عليه من قبل الخميني فكرا وشخصا في الثمانينيات، من باب تقديم الدعم والمساعدة ضد المحتل الإسرائيلي، حتى تم السيطرة عليه بشكل كامل مع قدوم حسن نصر الله قائدا للحزب.
ثانيا: إن حزب الله هو التطور الفعلي لولاية الفقيه، من ولاية دينية كانت في إيران قبل مجيء الخميني، فالشاه دائما كان يحرص على أن يكون بجواره شيخ وفقيه، وفي ذلك كان يمثل الولاية السياسية بينما يمثل الشيخ الولاية الدينية.
حين جاء الخميني طور ولاية الفقيه باعتبارها معتقدا دينيا كونها متعلقة بالإمام الغائب عند الشيعة الاثنى عشرية، طوره ليكون مصطلحا سياسيا أيضا، فبتنا أمام ولاية فقيه دينية، وولاية فقيه سياسية نتج عنهما دولة اسمها الجمهورية - سياسة - الإسلامية - دين.
رابعا: مع مرور الوقت رأى علي خامنئي -وهو المفتون بسيد قطب وبالحاكمية وبالقوة والعنف- أن يحدث تطويرا آخر في مفهوم ولاية الفقيه العامة لينقلها إلى مربع آخر أو مربع ثالث، بعد مربع الدين والسياسة، فنقلها إلى مربع العسكرة، من هنا أصبحنا أمام ولاية الفقيه العسكرية.
وتم على أساسه السيطرة على "حزب الله" اللبناني، ليكون أول ذراع عسكرية لولاية الفقيه، ويكون لبنان مقرا له ليتسنى لهم الترويج لفكرة الباطنية السياسية، بمعنى هو حزب ظاهره مقاومة إسرائيل وباطنه ذراع لولاية الفقيه الخامنئية؛ لأنه اختراع خامنئي وليس اختراعا خمينيا.
خامسا: مع الوقت كان لا بد من تطوير آخر لتتماشى ولاية الفقيه مع مستجدات العصر والزمن، فالذراع العسكرية لا بد أن تكون في مواجهة الأعداء مهما كانت أماكنهم، ولأن أعداء إيران كثر كما يرددون، خصوصا بعد فتح الملف الإيراني النووي عام 2003، وبعد أن ذاق الإيرانيون لأول مرة طعم الانتصار على الأمريكيين في العراق، وحملة التسويق الكبرى لهم بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان 2006.
كل هذه الأسباب مجتمعة جعلتهم يقفزون بولاية الفقيه العسكرية إلى خارج حدود الجغرافية المتعارف عليها في العالم العربي، وهنا نذكر عدد الأذرع العسكرية لولاية الفقيه العسكرية في العراق وفي اليمن، ومعظمها تحت مسمى أحزاب الله، ومن هنا بدأ التحرك إلى أوروبا، خصوصا ألمانيا والولايات المتحدة.
التنظيم العالمي لحزب الله في الولايات المتحدة
أشير هنا إلى اسمين فقط "علي كوراني" و"داني نمر طراف"
علي كوراني، من عائلة لبنانية منتمية لحزب الله، هو عنصر ناشط تدرب في الحزب منذ كان عمره 16 عاما ثم تم تجنيده في صفوف وحدة العمليات الخارجية للحزب، ومنها سافر إلى أمريكا إلى أن تم القبض عليه واعترف بأنه يقود خلية لحزب الله، هدفها تنفيذ أعمال إرهابية في أمريكا.
داني نمر طراف، اسم آخر قبض عليه مكتب التحقيقات الفيدرالية في أمريكا، كان يرتب لعقد صفقة شراء سلاح لتهريبه إلى إيران وإلى داخل الحزب في لبنان. لم يكن للتنظيم العالمي لحزب الله نشاط في أمريكا فقط، بل امتد إلى أوروبا وضربنا مثلا ببلغاريا وألمانيا.
خلية سامي شهاب في مصر
تلك الخلية هي أشهر نموذج يمثل التنظيم العالمي لحزب الله الذي ينتهج عمل الترتيبات السرية الإرهابية، هذه الخلية المكونة من سامي شهاب ومعه اثنى عشر شخصا تم القبض عليها في مصر عام 2009، بتهمة الترتيب لأعمال تخريبية في مصر، وحكم عليهم بالسجن 15 عاما، واعترف حسن نصرالله بهذه الخلية، بل أرسل لهم محامين من لبنان للدفاع عنهم.
وقد تم تهريب سامي شهاب من السجون المصرية إبان ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011.
في المحصلة آن الأوان لأن نسمي الأشياء بأسمائها وألا ننساق خلف التعريفات التي تبعدنا عن فهم الجوهر الحقيقي لمثل هذه التنظيمات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة