حيزية.. أغنية جزائرية تروي قصة حب حقيقية بزمن الأبيض والأسود
في خضم الاحتفال بعيد الحب، قد لا يتبادر إلى الأذهان قصص الحب الشخصية أو التي يتأثر بها الشخص من مسلسلات أو أفلام، ما يعني أنها قصص "بكل الألوان"، لكن البعض يتذكر من حين لآخر قصصاً من "زمن الأسود والأبيض" كما فرضته السينما في مخيلة الناس.
وقد لا تكون السينما وحدها من تحتفظ بذاكرة قصص الحب والعشق القديمة، فحتى الأغاني تزخر بأرشيف ثري من قصص وتجارب الحب الحقيقية التي تغنى بها فنانون من مختلف دول العالم.
وقد لا تكون السينما وحدها من تحتفظ بذاكرة قصص الحب والعشق القديمة، فحتى الأغاني تزخر بأرشيف ثري من قصص وتجارب الحب الحقيقية التي تغنى بها فنانون من مختلف دول العالم.
الفن الجزائري له نصيب وفير أيضا من الأغاني التي تروي تجارب حب شخصية لفنانين وفنانات، كتبوا كلماتها وأدوها بإحساس حقيقي، جعلت منها أغانٍ حية لم تمت حتى بعد وفاة أصحابها، أو من قصائد تراثية أداها فنانون جزائريون منذ خمسينيات القرن الماضي.
ومن بين تلك الأغاني القديمة في التراث الجزائري توجد أغنية "حيزية" وهي أغنية جزائرية تراثية كلماتها مستوحاة من قصة عشق حقيقية ولازالت من أشهر الأغاني التراثية البدوية الخالدة في الجزائر، أداها كبار الفنانين الجزائريين وأعمدة الأغنية البدوية الجزائرية من أبرزهم: عبدالحميد عبابسة، رابح درياسة، وخليفي أحمد، وكان ذلك في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
وأغنية "حيزية" مستمدة من التراث المحلي الجزائري منذ القرن الـ19 وتحديدا من الشعر الملحون، كاتبها هو الشاعر "محمد بن قيطون البوزيدي الخالدي" من منطقة "سيدي خالد" مكونة من 108 أبيات.
في هذه القصيدة التي تحولت إلى أغنية جزائرية راسخة إلى يومنا، رثى فيها الشاعر "حيزية" التي توفيت عام 1878 ولم تعش سوى 23 عاماً بعدما أصيبت بمرض خطر وهي في طريق عودة القبيلة إلى ديارها بعد رحلة الصيف التي تنتقل فيها القبيلة إلى التلال والهضاب، وبالضبط هضاب سطيف شرقي الجزائر.
و"حيزية" قصة عشق "حقيقية بنهاية عنيفة" جمعت بين "حيزية وابن عمها سعيد" في نهايات القرن التاسع عشر بمدينة سيدي خالد التابعة لمحافظة بسكرة جنوبي الجزائر، ويُشبه الفنانون تلك القصة بـ"روميو وجوليات الجزائر" لكن بنهاية حزينة.
وبحسب ما تذكره بعض الروايات، فإن تأليف الشاعر الجزائري محمد بن قيطون للقصيدة جاء بطلب من العاشق الحزين "سعيد"، ومع ذلك اختلفت الروايات إن كان العشيقان قد تزوجا، لكن المؤكد فيها هو حالة العشق الأسطوري الذي جمع شاباً وشابة في البادية الجزائرية المعروفة بأنها من أكثر المناطق المحافظة "لا مكان فيها لقصص الحب خارج إطار الزواج" والزواج فيها عبر الطرق التقليدية التي لا يرى فيها الزوجان بعضهما إلا ليلة الدخلة.
ما جعل الشاعر محمد بن قيطون يستغل قصيدته الأشهر في الجزائر لسرد القصة من جهة، وليرثي محبوبة العاشق المفجوع في العام نفسه الذي توفيت فيه "حيزية"، وذكر جمالها ومفاتنها.
لكن رواية أخرى صدرت عام 1986 للشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة، "صدم" بها المقتنعين بقصة الشاعر الجزائري، عندما سرد معلومة مفاجأة ذكر فيها بأن "محمد بن قيطون" هو العاشق الحقيقي لحيزية وليس سعيد كما ذكرت قصيدته، واستدل على ذلك بفارق العمر بينهما، وأرجع ذلك "إلى محاولة بن قيطون التغطية على الاسم الحقيقي خوفاً من العادات السائدة في مجتمع سيدي خالد".
قصيدة "المناصرة" التي جاءت تحت عنوان "حيزية عاشقة من رذاذ الواحات" قدمت رواية مختلفة وبأحداث دراماتيكية، وذكرت بأن سعيد نشأ مع حيزية منذ صغرهما، وعندما كبرا وكبر عشقهما اضطر والدها إلى إبعادها ووضعها في خيمة بعيدة خوفاً من كلام الناس بعد سماعه بقصته مع بن قيطون، لكنهما كانا يلتقيان سراً.
أما عن وفاة "حيزية" فذكرت القصيدة أنها "قُتلت خطأ" على يد "عاشقها سعيد" بعد أن تسللت وهي ملثمة راكبة فرسها، ولم يعرفها السعيد وظنها عدواً.