نازحات الحديدة.. مهنة الخياطة لمواجهة محنة الانقلاب الحوثي
"العين الإخبارية" تلتقي نازحات فررن من الحديدة غربي اليمن، انتهى بهن المطاف في مخيم "الشوكاني" بمحافظة لحج
يهربن من همومهن اليومية إلى آلات الخياطة في ورشة صغيرة، ويسررن حكاياتهن ومآسيهن وحنينهن للديار ولأبناء وأزواج اختطفهم الموت أو غيبتهم الحرب.
هن نازحات فررن من الحديدة غربي اليمن، لينتهي بهن المطاف في مخيم "الشوكاني" بمحافظة لحج.
ففي الخيام المتراصة على مساحة 17 ألف متر مربع في أرض شبه صحراوية مقفرة، اتخذت حياة النساء اللاجئات منحى جديدا ومختلفا، ممزوجا بمذاق انتهاكات الحوثي ومحنة النزوح وشبح الانقلاب ووميض الحنين إلى الديار والأحباب والجيران.
الخياطة.. مهنة وملاذ
نساء انكببن على آلات خياطة داكنة اللون، ظهرن منهمكات في حياكة قطع القماش القليلة المنسابة تحت أناملهن، أو في رتق بعض الأثواب الملقاة هنا وهناك.
نظراتهن تتجاوز تلك الخيوط المتناسقة والمتراصة التي تخلفها الإبر، وأزيز محرك الآلات المرتفع في المكان.
تحدثن لـ"العين الإخبارية"، وأخبرن الفريق بأنهن يردن تعلم مهنة يتسلحن بها لمواجهة واقعهن الصعب.
قصص معاناتهن في الحديدة من تضييقات الحوثي، والأزمات التي تفتعلها المليشيات الإيرانية، تبدو متشابهة حد التماهي أحيانا مع اختلاف بسيط يكمن في الأسماء.
الانقلابيون حولوا مدينتهن الأصلية إلى جبهة قتال وجحيم تراق فيها دماء أبنائهن على مسمع ومرأى منهن.
قلن إن الحوثي اختطف فلذات أكبادهن، وجنّدهم في صفوفه، وحوّل مدارس أطفالهن إلى ثكنات ومواقع عسكرية، واتخذ من الأطفال دروعا بشرية، وافتعل أزمات غذائية ومعيشية، فاقمت من صعوبة أوضاعهن ولم تترك أمامهن من حل سوى الفرار.
"فررنا بملابسنا فقط"، تقول إحدى النازحات ولسان حالها يقول "فررنا بجلودنا" من الحوثي "نشتي (نريد) نعيش بس (فقط)".
وردت أخرى: "اضطرنا الحوثي لمغادرة ديارنا هربا من الألغام والموت والتجويع.. السلاح في كل مكان، في المنازل في المدارس.. هكذا حوّل الحوثيون مناطقنا في الحديدة".
لظى الحرب وفظاعات الحوثي لم تترك أمامهن من حل سوى الهروب عبر منفذ فتحته قوات التحالف العربي بقيادة السعودية، ممرا آمنا لعبور النازحين، لتبدأ من هناك رحلة الخوف من الألغام التي زرعتها المليشيات الانقلابية في كل الطرقات.
وبوصولهن، بدأن يجتررن مآسيهن التي فاقمها ضيق الخيام واضطرارهن للتحرك في دائرة بقطر لا يزيد على أمتار قليلة، ما يؤجج نيران الحنين إلى الديار، ويخلق روتينا يكابدن من أجل كسره.
وللإفلات من ذلك الحنين، والهروب من أنين أب مريض أو ابن جريح أو جائع، فضلت نازحات الحديدة بمخيم "الشوكاني" التوجه إلى تلك الورشة الصغيرة، باحثات عن مهنة لمواجهة محنتهن، والظفر بسلوى عن همومهن وأحزانهن.
انكببن على آلات الخياطة أمامهن، مع أنهن في الواقع لا يفعلن الكثير، وإنما تروقهن الحركة في حد ذاتها، وتمنحهن شعورا بأنهن يعملن، وبأنهن قادرات على تجاوز نزيف أرواحهن.