عيد بلا فرحة في لبنان.. الاقتصاد و"كورونا" يمنعان العائلات من الاحتفال
رغم تخفيف الإجراءات وفتح المحال خلال أسبوع العيد لا تزال فرحة هذه المناسبة وأجوائها غائبة عن مختلف المناطق اللبنانية
لا تشبه أجواء عيد الفطر المبارك هذا العام الأعياد التي اعتاد عليها اللبنانيون، كل شيء تبدّل، من طقوس شراء الثياب الجديدة إلى زيارة الأقارب والأهل والخروج أيام العيد.
الطرقات التي لطالما ازدحمت بالناس في ليالي رمضان الأخيرة متسابقين على شراء ثياب العيد، خالية من الحركة نتيجة حظر التجول المفروض بعد الساعة السابعة مساء ضمن إجراءات مكافحة فيروس كورونا المستجد.
وإذا كانت إجراءات مواجهة وباء كورونا منعت اللبنانيين من الخروج مساءً كما اعتادوا في أيام رمضان والليالي التي تسبق العيد، فإن الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد في الأشهر الأخيرة تمنعهم حتى من التجرؤ على زيارة المتاجر لعلمهم المسبق بالأسعار المرتفعة ولعدم قدرتهم دفعها.
وهذا الواقع الذي بات في هذه الفترة حديث كل بيت وعائلة في لبنان، يعبّر عنه كل من رانيا حسن وسامي الحاج، فيما يصف محمد وحيد، صاحب محلات تجارية في منطقة بربور ببيروت، الوضع هذا العام بـ"الكارثي"، ناعياً قطاع بيع الملابس المستوردة منها أو المحلية.
وتعبّر رانيا بصراحة واضحة عن عدم قدرتها على شراء الملابس الجديدة لابنتيها (5 و7 سنوات)، قائلة لـ"العين الإخبارية": "لا الوضع الاقتصادي ولا النفسي يسمحان بالاحتفال بالعيد، منذ 3 أشهر أقبض أنا وزوجي نصف راتب، بالكاد ندفع ما علينا من مستحقات".
وأضافت: "اعتدت أن أشتري لبناتي ملابس لأيام العيد الثلاثة لكن وكي لا أحرمهما من هذه الفرحة كان الحل شراء ثوب واحد لكل منهما من متجر كنا في السابق لا ندخل إليه لعلمنا بنوع بضاعته السيئة، لكن اليوم لم يعد بمقدرونا العيش كما كنا في السابق".
من جهته، يقول سامي، أب لفتاة وصبي لـ"العين الإخبارية": "اشترينا لهما ما تيسر من الثياب نتيجة إغلاق المحلات بعد الإفطار، لأنني كنت مصراً على أن يشعرا بفرحة العيد كأطفال ينتظرونه كل عام".
وبين إجراءات كورونا وتداعيات الأوضاع الاقتصادية غير المسبوقة، ينعي محمد وحيد قطاع تجارة الملابس في لبنان، الذي كان يعول بشكل أساسي على الأعياد، وهو الوضع الذي لا يختلف عن أي قطاعات أخرى تضررت جراء ارتفاع سعر صرف الدولار إلى أعلى مستوياته.
ففي منطقة بربور التي تعتبر من أهم المناطق التجارية الشعبية في بيروت والتي اعتادت في هذه الفترة من كل عام أن تعج بالعائلات، تخلو الشوارع، حتى خلال النهار التي تفتح خلالها أبوابها، من الزبائن.
ويصف محمد وحيد، صاحب 4 محلات في هذه المنطقة، الوضع بـ"الكارثي"، ويقول لـ"العين الإخبارية": "أعمل في هذا القطاع منذ أكثر من أربعين عاماً وورثت التجارة من والدي وجدي، لكن لم يمرّ علي طوال تلك السنوات عام سيء كهذا العام".
وأضاف: "ارتفاع الأسعار الذي انعكس علينا، دمّر قطاع الملابس وتجارتنا، نعيش مأساة لا يمكن وصفها، لا نعرف كيف ومتى سنخرج من هذه الأزمة".
وتابع: "ارتفع سعر صرف الدولار حوالي 200%، وهو ما سينعكس تلقائياً على كل البضائع من الملابس الجاهزة والمستوردة أو المواد الأولية لصناعة الملابس في لبنان ما سيضطرنا إلى رفع الأسعار".
ويسأل وحيد: "كيف للزبون الذي خسر بدوره أمواله وراتبه أن يتحمل هذا الوضع؟، مضيفاً: "فتحت يوم الإثنين أبواب المحلات بعد العودة إلى العمل نتيجة التعبئة العامة لمواجهة وباء كورونا، خلال أربعة أيام لم أبع قطع واحدة، الناس باتت بالكاد تستطيع تأمين المأكل والمشرب".
وما يتحدث عنه محمد وحيد كانت قد أعلنته جمعية التجار في مختلف المناطق اللبنانية قبل أيام خلال لقائها رئيس الوزراء اللبناني حسان دياب، طالبة منه فتح المحال والأسواق التجارية هذا الأسبوع قبل عيد الفطر، بعد إغلاقها لأكثر من شهرين.
وقالت في بيان لها: "إن القطاع التجاري النازف يرزح تحت وطأة الكساد الكبير والتضخم المؤلم والخسائر الفادحة بالقدرة الشرائية وارتفاع سعر الدولار والإجراءات المصرفية الكارثية غير المسبوقة والتراجع المدمر بحجم الاستيراد والأعمال، والإقفالات القسرية تطبيقاً لقرارات التعبئة العامة".
ولفتت إلى أن كل تلك العوامل مجتمعة فرضت أمراً واقعاً إفلاسياً أدى إلى تسريع وتيرة الانهيار وتسبب بإقفال العديد من المؤسسات التجارية التي بلغت في بعض المناطق نسباً مخيفة.
من هنا طلبت الجمعية السماح بفتح المحال مع حرصها على تطبيق الإجراءات الوقائية والتدابير الصحية كافة وفقاً لأقصى معايير السلامة، وذلك في إطار الدفاع عن مصالح ما تبقى من مؤسسات تجارية تعول على حركة الأسبوع الأخير عشية عيد الفطر، منبهين الى أن المزيد من الإقفال سيكون بمثابة الضربة القاضية على الزملاء التجار وأسرهم.
لكن ورغم اتخاذ الحكومة قراراً بتخفيف الإجراءات وفتح المحال في أسبوع العيد، لا تزال فرحة هذه المناسبة وأجوائها غائبة عن مختلف المناطق اللبنانية، التي تعيش أصعب المراحل الاقتصادية والاجتماعية، حيث بات شراء الملابس والاحتفال بالاعياد ترف لا يملكه إلا القلة وأصبحت الأولوية لتأمين لقمة العيش اليومية.