من هوليوود إلى العالم العربي.. نجمات مبدعات في خدمة الشخصية
الممثل المبدع لا ينفك يدهشنا بالشخصيات التي يؤديها وبمقترحه التمثيلي لها، إنه يبرز الشخصية على حساب إبراز نفسه وحرفيته.
عشاق الممثلة الأمريكية "تشارليز ثيرون" بلا شك احتاجوا إلى التدقيق في تترات فيلم "الوحش" "Monster" للتأكد من أن نجمتهم المحبوبة التي تُعَد من أجمل فنانات هيولوود هي تلك المرأة صاحبة الوجه المتعب التي تؤدي شخصية القاتلة المتسلسلة في الفيلم "إيلين ورنوس".
هكذا هو حال الممثل المبدع الذي لا ينفك يدهشنا بالشخصيات التي يؤديها؛ لأنه يبرز الشخصية على حساب إبراز نفسه وحرفيته، لذلك استحقت ثيرون جائزتي "الأوسكار لأفضل ممثلة" و"جولدن جلوب لأفضل ممثلة" عن تلك الشخصية.
"Monster" هو فيلم دراما تم إنتاجه في الولايات المتحدة وألمانيا وصدر في سنة 2003. من إخراج باتي جنكينز.
ومن هوليوود إلى العالم العربي، حيث تبدي الفنانة السورية كاريس بشار، على سبيل المثال، السلوك ذاته ولا سيما حين قدمت شخصية "وردة" في مسلسل "غداً نلتقي" إذ تغادر الفنانة السورية كل مظاهر أنوثتها، لتقدم فهماً عالياً لثقافة جسد الممثل الذي لابد أن ينسجم مع روح شخصيته، فهذه البنت التي امتهنت غسل الموتى، هي نصف رجل ونصف امرأة في جسد واحد، تعيش بعيداً عن بلدها وسط نازحين قتلت الحرب في سورية أحلامهم .
وهذه الأنوثة الناقصة أو الرجولة الطارئة عليها، كانت لابد من أن تنعكس في لغة جسدها، فتظهر في طريقة مشيتها وتشنج عضلاتها وإيماءات وجهها، كما ستظهر أيضاً في سلوكها النفسي، حين تردم إحساس الأنثى فيها لا تقتله، إذ سرعان ما تستعيد أنوثتها كاملةً ما أن تشعر بالحب.
هنا أيضاً سنتحسس في أداء كاريس بشار لشخصيتها الفارق بين الممثل المبدع والممثل العادي، والذي سيظهر في عمق استجابتنا العاطفية مع شخصية "وردة" لا حرفية كاريس في أدائها.
الإحساس بمعنى أن يؤثر الممثل شخصيته على نفسه، سنجده، على سبيل المثال أيضاً، ونحن ننسى ملامح البراءة والطيبة في وجه الفنانة منى زكي، حين تؤدي بقدرة عالية من الاقناع والإدهاش شخصية "تحية عبدو" في مسلسل "أفراح القبة"، فتقدم إخلاصها للشخصية على خبراتها كممثلة في تجسيدها، كما لو أنها سلّمت جسدها لإيقاعات الحدث، لتأتي بنقيض صورتها الذهنية كما كرستها في كثير من أعمالها.
السلوك التمثيلي للفنانات الثلاث، هو تجسيد مثالي لـ"فن المعايشة" الذي استند إليه " قسطنطين ستانسلافسكي" في منهجه لإعداد الممثل، فهو يطالب هذا الأخير بنسج حقيقي لحياة الروح البشرية للدور الذي يؤديه، مؤسساً على قوانين الإبداع العضوي، ويرى ستانسلافسكي أن على الممثل الاهتمام ليس فقط بالجهاز الداخلي المنتج لعملية المعايشة ولكن أيضاً عليه الاهتمام بالجهاز الجسدي الذي ينبغي له أن يعطي النتائج الإبداعية للمشاعر، وأن يعطيها شكلاً خارجياً عند التجسيد.
ووفق هذه الرؤية يكمن معنى نجاح الشخصيات التمثيلية التي يبرزها مؤدوها على حساب إبراز شخصياتهم الحقيقية أمام الكاميرا.
خلافاً لهذه الصورة المبهرة في فن الممثل، يتربع اليوم في صدارة المشهد الدرامي فنانات بأداء بلا ألوان، يقفن أمام الكاميرا كما يقفن أمام المرآة وهن يتجملن، فتؤدي ممثلة شخصيةَ فتاةٍ تعاني من ضيق الحال وصعوبة في تدبير معيشتها، وهي ترتدي أفخم ما جادت به أسواق الموضة من ألبسة، ونجد أخرى تحاول تعويض فقدان أهلها في حادث مؤلم، من دون أن ينعكس ذلك في سلوكها العام.. رغم أن فن التمثيل هو فن الحدث، و"من خلال حدث عضوي فعال وهادف، كما يقول ستانسلافسكي، تنسج الحياة الداخلية للشخصية ويتكشف المعنى الفكري والإنتاجي لها".
في نهاية الشهر الجاري تعود قناة "OSN Movies" لعرض فيلم تشارليز ثيرون الجديد "تولي" الذي طرح للعرض الجماهيري في مايو الفائت وقدمت فيه ثيرون شخصية "مارلو" الأم لثلاثة أطفال، ولتجسيد تلك الشخصية قامت الفنانة الأمريكية بزيادة وزنها بمقدار 22 كيلوجراما حتى بدت ضخمة ببطن كبير، وردت سبب ذلك في تصريح لها، لرغبتها بمعرفة ما تشعر به هذه المرأة "مارلو"، مشيرة إلى أن ذلك كان بمثابة طريقة جعلتها تقترب منها وتفهم عقليتها".
ترى كم واحدة اليوم من ممثلات "الكاميرا- المرآة" في هوليوود وحتى في العالم العربي، مستعدة أن تطيح بقوامها الرشيق، وزيادة وزنها حد بروز بطنها، من أجل الإحساس بشعور شخصية تؤديها؟!
aXA6IDMuMTQ0LjIzOC4yMCA= جزيرة ام اند امز