"الموسطاش" هواري بومدين.. الراحل الحي في ذاكرة الجزائريين
42 عاما تمر على رحيل الرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين الذي بقيت مسيرته وأقواله خالدة في ذاكرة الجزائريين.
ومرت، الأحد، الذكرى الـ42 لرحيل بومدين الذي توفي في 27 ديسمبر/كانون الأول 1978، بعد محطات ثورية وقيادية ورئاسية حافلة.
محطات مضيئة أدخلت ثاني رئيس للجزائر التاريخ من أوسع أبوابه، وأبقته في قلوب ملايين الجزائريين، حتى عند الأجيال التي لم تعاصر عهده الذي دام 13 عاماً (1965 – 1978).
- سيدة الجزائر الأولى.. تقليد غائب منذ 3 عقود و6 رؤساء "عازبون سياسياً"
- 9 تعديلات دستورية بتاريخ الجزائر.. 6 عبر استفتاءات شعبية
يلقبه الجزائريون بـ"الموسطاش" أو "صاحب الشوارب" بالعربية، أو "الزعيم"، أو "الرئيس الذي لم يتكرر"، بعد أن عاشت البلاد فترة حكمه "عصرها الذهبي دبلوماسياً واقتصادياً".
في عهده، تغير كل شيء في الجزائر، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ودبلوماسياً، انتقلت معه الجزائر من دولة حديثة الاستقلال تصارع من أجل البقاء إلى دولة فاعلة إقليمياً ودولياً.
شخصيته سحرت وألهمت الجزائريين بكاريزما ثورية وسياسية وقومية صارمة ولا مكان معها لخيانة الوطن أو للفساد، استبقت أفعاله أقواله التي ظلت خالدة، بعد أن كان أول رئيس جزائري يرسخ مبدأ أن "الدولة لا تزول بزوال الرجال".
كان أول زعيم عربي وإسلامي يفتتح خطابه في الأمم المتحدة بـ"البسملة"، وأعطى اللغة العربية مكانتها الحقيقية في بلاده، وحققت الجزائر في عهده نجاحات دبلوماسية بقيت راسخة، ودفع بالجيش الجزائري للمشاركة بقوة في الحربين العربية الإسرائيلية، وكان من أشد المدافعين عن القضية الفلسطينية.
وبعد 42 عاماً من رحيل الرئيس ذو النزعة الاشتراكية والثورية والقومية العربية، بقيت تساؤلات كثيرة لم يجد الباحثون والمؤرخون إجابات لها، عن أحداث بدايات حكمه أبرزها اغتيال بعض قادة الثورة التحريرية ضد الاستعمار الفرنسي، وأخرى من نهاية حكمه تعلقت بحقيقة وفاته "مسموماً".
هاشتاق.. "لن ينساك الجزائريون"
وتداول الجزائريون منذ، السبت، هاشتاق "#لن_ينساك_الجزائريون" عبروا من خلاله عن تعلقهم بمن يعتبرونه "الزعيم الذي مات ولم يرحل دون أن يتكرر".
ونشر رواد مواقع التواصل الاجتماعي صوراً للرئيس الجزائري الراحل، بعضها بـ"البرنونس" الذي كان لباس بومدين المفضل وهو لباس تقليدي جزائري يرمز للأصالة والرجولة.
وأخرى يحمل بيده "السيجار الكوبي" الذي كان كذلك المفضل عند الرئيس الجزائري الراحل، وبعضها كُتب عليها عبارات لا زالت خالدة في الذاكرة الجماعية للجزائريين وحتى من مبادئ الجزائر في سياستها الخارجية.
كان من أبرزها "الجزائر مع فلسطين ظالمة أو مظلومة"، "نريد أن نبني دولة لا تزول بزوال الرجال"، بالإضافة إلى شهادات تاريخية عن الدور الذي لعبه هواري بومدين في الحربين العربية الإسرائيلية عامي 1967 و1973.
كما أعاد الجزائريون تداول صور لرئيسهم الأسبق مع بعض الزعماء العرب الذين دخلوا التاريخ أيضا من أوسع أبوابه، أبرزهم الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر، والعاهل السعودي الراحل الملك فيصل.
لم يخل استذكار الجزائريين للراحل هواري بومدين من جملة الألقاب التي أطلقوها عليه، عبروا فيها عن حزنهم لخسارة بلادهم "رئيساً بدون نسخة أخرى" كما قالوا، وكذا فخرهم بمواقف وإنجازات الرجل.
ولعل أشهر لقب يطلق على الرئيس الراحل هواري بومدين هو "الموسطاش"، أو "صاحب الشوارب"، وهي الشوارب التي لها دلالات عميقة في الموروث الشعبي الجزائري عن الرجولة والشهامة والأصالة.
بالإضافة إلى ألقاب أخرى، بينها "أسد الجزائر"، "رئيس مكة الثوار"، "الزعيم"، "سيد الرجال"، "أبو الفقراء والمساكين" وغيرها من الألقاب.
أبانت تعليقات ومنشورات الجزائريين عن حجم تعلقهم بالرئيس الأسبق هواري بومدين، التي لم تخل جميعها من التذكير بعباراته ومواقفه الخالدة خصوصاً ما تعلق منها بدفاعه عن القومية العربية والنجاحات التي حققتها الدبلوماسية في عهده.
كان من بينها الخطوة التاريخية التي مهدت للاعتراف الدولي بالقضية الفلسطينية بعدما دعت الجزائر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات لإلقاء كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1974.
والوساطة التي قادها هواري بومدين بين العراق وإيران عام 1974 على هامش اجتماع قادة الدول المصدرة للنفط "أوبيك" بالجزائر العاصمة.
وفي ذكرى رحيله الـ42، تذكر الجزائريون "زعيمهم الراحل" بمشاعر متناقضة، لـ"الحزن" عن خسارته، و"الحسرة" على "العصر الذهبي الذي لم يتكرر"، والفخر بـ"رئيس صنع للجزائر مكانة بين الأمم".
الرئيس الفقير
وفي 2010، كشفت وثيقة مسربة حقيقة المثل الذي قاله بومدين عاماً قبل رحيله "عاش ما كسب مات ما خلا" (لم يكسب المال والجاه في حياته ولم يترك شيئا بعد مماته).
الوثيقة وضحت قيمة المدخرات المالية التي تركها هواري بومدين بعد رحيله، وبلغت قيمتها 690 دينارا جزائرياً أي ما يعادل 5.22 دولار أمريكي.
زعيم الجزائر
هواري بومدين هو ثاني رئيس في تاريخ الجزائر المستقلة، ولد في 23 أغسطس/آب 1932، واسمه الحقيقي "محمد إبراهيم بوخروبة"، التحق بصفوف جيش التحرير الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي مباشرة بعد اندلاع الثورة في 1 نوفمبر/تشرين الثاني 1954.
تلقى تدريبه العسكري في مصر، قبل أن يصبح أول قائد لأركان الجيش الجزائري عام 1958، ثم أول وزير للدفاع غداة استقلال الجزائر 1965، ثم نائباً للمجلس الثوري في عهد أول رئيس وهو أحمد بن بلة.
في 19 يونيو/حزيران قاد انقلاباً عسكرياً على الرئيس أحمد بن بلة، سمي حينها بـ"التصحيح الثوري".
وقاد بعدها هواري بومدين ثورة سياسية وصناعية واقتصادية وزراعية، سميت حينها بـ"الثورة الزراعية" عندما قام بتوزيع آلاف الهكتارات على الفلاحين وأسس آلاف القرى الفلاحية.
كما اتخذ عدة قرارات جريئة أبرزها تأميم المحروقات عام 1972، وتبنى الاشتراكية نهجاً اقتصادياً، أنشأ خلالها مصانع ثقيلة ساهمت في تقليص فاتورة البلاد من الاستيراد، وفتحت أسواقاً جديدة لها في عدة دول أفريقية وعربية.
وأطلق عدة مشاريع أخرى كبرى في قطاعات التعليم والثقافة خصص لها أكثر من ثلث موازنة البلاد، بالإضافة إلى مشاريع القرى والفنادق وإنشاء السد الأخضر، وارتفعت بعد ذلك نسبة النمو إلى 9 % عام 1975، كان أعلى معدل نمو عالمي خلال تلك الفترة.
في المجال الدبلوماسي، سجلت الجزائر عصرها الذهبي فترة حكم هواري بومدين، كان حينها عبد العزيز بوتفليقة وزيرا لخارجيته، تبنى خلالها قضايا تصفية الاستعمار، واستضافت الجزائر قمة عدم الانحياز عام 1974 وقمة منظمة أوبك عام 1975.
كما عقدت الأمم المتحدة اجتماعاً طارئاً عام 1974 بطلب من بومدين لمناقشة نظام اقتصادي عالمي جديد.
وفي 27 ديسمبر/كانون الأول 1978 شيع جثمان الرئيس الراحل هواري بومدين في جو مهيب قال عنه الجزائريون إنه "لا يليق إلا بالزعماء"، بعد أن قضى نحو شهر في العلاج بالاتحاد السوفياتي من مرض نادر رجح الأطباء أن يكون ناجماً عن تسمم.