بأي حال عدت يا "رمضان" إلى لبنان؟.. مواطنون يتحدثون لـ"العين الإخبارية"
تكلفة طبق الفتوش 18.500 ألف ليرة
كيف عاد شهر رمضان إلى لبنان وسط هذه الأزمة الاقتصادية الطاحنة؟، مواطنون يروون لـ"العين الإخبارية" أعنف ضائقة مالية تمر بها البلاد.
وعلى غير عادتها، لن تذهب السيدة اللبنانية أم محمد (أم لثلاثة أولاد) هذا العام إلى السوبر ماركت قبل بدء شهر رمضان للتبضع لموائد الإفطار فهي ستشتري حاجياتها بشكل متدرج لعدم قدرتها على دفع ثمنها مرة واحدة والاكتفاء بالأهم منها بعد ارتفاع الأسعار بشكل جنوني.
وتقول أم محمد لـ"العين الإخبارية": "ما كنا نشتريه من السوبر ماركت بقيمة 150 ألف ليرة بات اليوم يكلف ما لا يقل عن 600 ألف ليرة، وهو ما يشكّل نحو ربع راتب زوجي، من دون احتساب اللحوم والدجاج التي بدنا نحاول شراء نصف الكمية التي نحتاجها عادة".
الرفاهية تتبدل بتقشف
من هنا، تؤكد "الرفاهية التي اعتدنا عليها في الأعوام السابقة ستتبدّل هذا العام وهو ما بدأنا نلمسه منذ فترة وبتنا نعتاد عليه وسيظهر بشكل أكبر على مائدة رمضان التي لطالما كانت غنية بأنواع مختلفة من الطعام لا شكّ أنها ستتبدل هذا العام، وهو ما سينسحب على الحلويات التي لن نشتري منها إلا أنواعا محددة وسأحاول أن أصنعها في المنزل قدر الإمكان".
الواقع نفسه يتحدث عنه نادر ع. (أب لطفلين)، ويعيش مع والديه، وهو الذي باتت زياراته إلى السوبر ماركت شبه يومية باحثا عما يمكن توفره من أصناف مدعومة ، لتأمينها لشهر رمضان، بحيث بات يحفظ الأسعار ليشتري منها ما يناسبه. ويقول لـ "العين الإخبارية" لا شكّ ستكون مائدة الإفطار هذا العام مبرمجة وفق توفّر المواد التي استطعنا شراءها وبالتالي ستغيب أصناف كثيرة عن المائدة لتقتصر على الأساسية منها".
ويعطي نادر مثالا على الأسعار التي تبدلت منذ رمضان الماضي إلى اليوم قائلا "سعر اللحم كان حوالي 20 ألفا بات اليوم 60 ألفا، والدجاج كان 8 آلاف بات اليوم 18 ألفا، والزيت الذي كان سعر اللتر 10 آلاف بات 25 ألفا".
ويضيف حتى الأنواع الأولية كالحبوب ارتفع سعرها أضعافا، على سبيل المثال كيلو العدس كان 3000 بات 14 ألفا ".
مع العلم أن الأصناف المدعومة هي تلك التي تدعم الدولة جزءا كبيرا كم سعرها ويشتريها التجار لبيعها للمواطنين بسعر منخفض لكنها، ونتيجة الفوضى وغياب المراقبة، يتم التلاعب بأسعارها أو تخزينها لبيعها بسعر مرتفع مع توجه لبنان لرفع الدعم وهذا ما انعكس خلافات ومشادات بين المواطنين في عدد من المحلات خلال سباقهم على الحصول على الأنواع المدعومة.
التضخم القاتل
وبلغ معدّل التضخّم السنوي في لبنان في نهاية عام 2020 حوالي 145.8%، بحسب الإحصاءات الرسمية، في وقت ارتفع فيه، مطلع شهر مارس، سعر لحوم المواشي بنسبة 110% خلال عام وسعر الدجاج بنسبة 65%، وفقاً للبنك الدولي.
وارتفاع الأسعار طال كل الأنواع بما فيها الخبز الذي ارتفع سعر الربطة منه من 1500 ليرة إلى 2500 ليرة، وعلى الخضار الذي كان يعتبر من الأرخص في لبنان، والتي يتألف منه طبق الفتوش (السلطة اللبنانية)، التي تعتبر أساسية على مائدة رمضان، لن تكون أيضا بمتناول الجميع. وهذا ما أظهرته دراسة قام بها "مرصد الأزمة في الجامعة الأميركية في بيروت"، حيث بينت أن تضخم "مؤشر الفتوش" متضمنا 14 نوعا من الخضار، ارتفع بنسبة 210% هذا العام معتبرا أن شهر رمضان سيكون عصيباً على العائلات في لبنان.
وأوضح المرصد الذي يعمل على دراسة تداعيات الأزمات المتعددة في لبنان وكيفية مقاربتها، "في نظرة إلى تطور "مؤشر الفتوش" منذ 2012 وفي محاكاة لما ستكون كلفته في رمضان هذا العام بناءً على أسعار المكونات في أواخر شهر مارس، يظهر ارتفاع المؤشر 210% هذا العام مقارنة مع العام الفائت والذي كان قد بدوره قد ارتفع 36% عن الـ 2019 ، بحيث تقدر كلفة صنع الفتوش لعائلة صغيرة مؤلفة من خمسة أشخاص عند بداية شهر رمضان هذا العام حوالي 18.500 ليرة مقارنة مع 6000 ليرة في الـ 2020 وحوالي 4.500 ليرة في 2019".
مؤشر الفتوش
من هنا يشير المرصد إلى أن كلفة الفتوش فقط لعائلة مؤلفة من خمسة أفراد ستصل الى ما يقارب الـ 555 ألف ليرة خلال شهر كامل، أي ما يوازي 82% من قيمة الحد الأدنى للأجور، لافتا كذلك إلى أن "هذا الارتفاع الكبير في مؤشر الفتوش سينسحب على تضخم أسعار السلع الأخرى التي عادة ما يستخدمها الصائمون في موائدهم الرمضانية.
مما يعني أن أكثرية العائلات في لبنان ستعاني من تأمين السلع والمكونات الأساسية لموائدها خلال شهر رمضان وسيدفع العائلات نحو التكيف السلبي مع هذا التضخم أما عبر تخفيض كميات الطعام أو الاعتماد على بدائل ارخص كالنشويات مكان الخضار واللحوم، وما سينتج عن ذلك من سوء تغذية.".
وفي هذا الإطار وتحديدا عن سعر الخضار، يقول رئيس تجمع مزارعي وفلاحي البقاع، إبراهيم ترشيشي لـ "العين الإخبارية" أنه من الطبيعي أن ترتفع أسعار الخضار في ظل الارتفاع غير المسبوق لسعر صرف الدولار لا سيما وأن المواد الأولية من الأسمدة والأدوية التي يحتاجها المزارعون في عملهم هي مستوردة وبالتالي مرتبطة بالدولار، مع اعتباره أن السعر الجديد للخضار يبقى أقلّ نسبيا مع الارتفاع الذي سجل مقارنة مع العام حيث كان الدولار حوالي 2500 ليرة بينما اليوم يقارب الـ 12 ألف ليرة، متوقعا في الوقت عينه أن تنخفض الأسعار منذ منتصف شهر رمضان تقريبا مع بدء الاعتماد على الإنتاج المحلي نتيجة تبدل الطقس، أكثر منه على الخضار المستوردة.
مع العلم أن إدارة الإحصاء المركزي كانت قد أعلنت في تقرير لها أن "مؤشر أسعار الاستهلاك في لبنان لشهر فبراير 2021 سجل ارتفاعا وقدره 4,59% بالنسبة إلى شهر يناير 2021".
وأشارت إلى أن "مؤشر أسعار الاستهلاك في لبنان لشهر فبراير 2021 سجل ارتفاعا بنسبة 155,40% مقارنة مع فبراير 2020.
أزمة طاحنة
ويشهد لبنان أزمة اقتصادية حادة أدت إلى انهيار قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي رغم أن سعر الصرف الرسمي لليرة اللبنانية مقابل الدولار ثابتاً عند حوالي الـ 1500 ليرة ، فإنّ سعر العملة الخضراء في السوق السوداء لامس قبل أسبوعين عتبة 15 ألف ليرة، أي عشرة أضعاف السعر الرسمي، قبل أن ينخفض قليلا حوالي 12 ألف ليرة.
وأجّج هذا الانهيار الحادّ للقدرة الشرائية وتفاقم الأزمات المتتالية التي تعصف بلبنان غضب المواطنين الذين يتظاهرون باستمرار احتجاجاً على أوضاعهم المأسوية، بعدما بات أكثر من نصف سكّان لبنان يعيشون تحت خط الفقر وفقاً للأمم المتحدة ودفع التغيّر السريع في سعر الصرف خلال الأيام الأخيرة عدداً من المحال التجارية الكبرى إلى إقفال أبوابها لإعادة تسعير سلعها.
وعلى الرّغم من الأزمات المتفاقمة لا تزال الأطراف السياسية في لبنان تتنازع على الحقائب الوزارية وعلى حصّة كل منها في الحكومة العتيدة، بحيث لم يتمكن رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري من تشكيل الحكومة بعد مرور أكثر من 5 أشهر على تكليفه.
aXA6IDMuMTMxLjEzLjI0IA== جزيرة ام اند امز