في واقع الأمر ما كشفه رئيس الصليب الأحمر الصيني صن شوبينج خلال زيارته إيطاليا ومدينتي كوردوبا وميلان الأكثر تأثرا بكورونا كان فظيعا
لا نأتي بجديد إذ ما قلنا إن الأطباء الصينيين ليسوا أكثر معرفة وخبرة من نظرائهم الأوروبيين وما سرعة تراجع مؤشر حالات الإصابة بفيروس كورونا في الصين عموما ومعقل الفيروس ووهان على وجه التحديد التي لم يسجل فيها إصابة جديدة ليومين متتاليين، عائدا للطرق العلاجية الحديثة أو الأدوية الفعالة التي وصفها الأطباء الصينيون لأبناء شعبهم.. أبدا لم يكن هذا السبب وإنما شدة التزام الصينيين بقرار حكومتهم بعدم التجوال والالتزام في البيوت، وهذا ما شكل الخطوة الرئيسة في مسألة الحد من انتشار الوباء في بلاد يسكنها نحو مليار و338 مليون شخص.
ما لم تقع به الصين وكوريا كان كارثة على القارة الأوروبية، حين تغافلت الحكومات واستهترت الشعوب بمسألة جدية خطورة الفيروس، وهذا ما وضع إيطاليا في تحدٍ طبي كبير تجاه العدد الكبير للمصابين بكورونا، حتى بات المصاب ينتظر موتا آخر ليرقد على سريره
ثمة شيء آخر استطاعت من خلاله الصين التغلب ولو مرحليا على هذا الوباء، وهو سرعة ردة الفعل لدى الحكومة والمسؤولين باتخاذهم قرارات صارمة ومستعجلة بضرورة بناء المستشفيات وتجهيزها بفترة خيالية لم تتعد عشرة أيام، ولا جوبهت قراراتهم هذه بالبيروقراطية المنتهجة في أماكن أخرى مثل إيطاليا على وجه التحديد.
ما لم تقع به الصين وكوريا كان كارثة على القارة الأوروبية حين تغافلت الحكومات واستهترت الشعوب بمسألة جدية خطورة الفيروس وهذا ما وضع إيطاليا في تحدٍ طبي كبير تجاه العدد الكبير للمصابين بكورونا، حتى بات المصاب ينتظر موتا آخر ليرقد على سريره، وبدأ الأطباء في هذا البلد الأوروبي المفاضلة بين المرضى أيهما يمكن إنقاذه أولا والتعامل طبيا معه.
وهذه بحد ذاته انتكاسة لم يسبق لها مثيل في طريقة تعاطي الحكومات مع الأزمات والعبء هنا لا يقع على الحكومة الإيطالية لوحدها، فعدم التزام الإيطاليين بالقرارات الحكومية كان العامل الرئيس في سرعة انتشار المرض بأعداد كبيرة تفوق قدرة الجهاز الطبي الإيطالي السيطرة عليه، لذلك جاء تصريح أحد المسؤولين الإيطاليين أن الحكومة فعلت ما بوسعها، والأمر بات متروكا للسماء، في إشارة إلى عجز السلطات الإيطالية عن فعل شيء تجاه ما يجتاح البلاد.
في واقع الأمر ما كشفه رئيس الصليب الأحمر الصيني "صن شوبينج" خلال زيارته إيطاليا ومدينتي كوردوبا وميلان الأكثر تأثرا بكورونا كان فظيعا، فلا إجراءات الحجر المنزلي كانت جادة ولا حتى العناية الشخصية، وهذا ما قاد المسؤول الصيني للتساؤل عن الماهية التي يفكر بها الإيطاليون تجاه ما يحدث.
كيف نساعد حكومات بلادنا على تجاوز الوباء؟
هو السؤال الأسهل على الإطلاق والإجابة عنه ليست معقدة وإنما تكمن في عدة أمور.
أولا: المكوث في البيت وعدم الاستهتار بهذه الجزئية الأكثر أهمية في مسألة الحد من انتشار الوباء (راجع تصريحات معظم وزراء الصحة العرب وطلبهم من الناس البقاء في البيوت).
ثانيا: التخلي عن بعض العادات الاجتماعية والتقاليد المتبعة لدينا كمجتمع شرقي منها ما يتعلق بزيارة المريض أو المشاركة بالأفراح أو حتى الزيارات العائلية وكذلك المصافحة، وهذا بحد ذاته يقلل احتمالية الإصابة ونقل المرض بنسبة صفر بالمئة.
ثالثا: الاستعداد النفسي للتضحية من أجل إنقاذ الناس، إن تطلبت الحاجة، فلا يمكن للكوادر الطبية وحدها تغطية الأعداد الكبيرة للمرضى، وهذا ما عانت منه إيطاليا التي طلبت من الأطباء المتقاعدين الالتحاق بالعمل من أجل تعويض النقص.
رابعا: المساعدة بالحد من انتشار الشائعات والتبليغ عنها، لما لها من أثر نفسي وانعكاس سلبي على الكوادر البشرية سواء العاملة في المجال الطبي أو غيرها من شرائح المجتمع.
خامسا: المساهمة عبر وسائل التواصل الاجتماعي في نشر الوعي بين أفراد المجتمع بضرورة تطبيق كل القرارات الحكومية المتخذة، لمجابهة أي خطر يهدد الشعوب ولعل كورونا آخرها.
صحيح أن منظمة الصحة العالمية أعلنت فيروس (كوفيد-19) جائحة، إلا أنها أكدت في الوقت ذاته أنه "وباء عالمي يمكن السيطرة عليه" من خلال تعزيز الدول إجراءات التصدي له، وهذا ما أثبتته التجربة الصينية في مدينة ووهان بمرور شهر كامل على الإغلاق التام.
وبعد ذلك استطاعت الحكومة وكوادرها الطبية العناية بالمرضى في المستشفيات حتى الوصول إلى نقطة التحكم التام في المرض، لذلك المرء مخير بين أمرين اثنين لا ثالث لهما إما أن يكون صيني الذهن ويستفيد من تجربة أضخم كثافة بشرية على وجه الأرض بإنقاذ الصين من وباء كاسح أو مكابرا سيفقد حياة من يحب وحياته لا محال نتيجة استهتاره وقلة التزامه.. والخيار لكم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة