تحاول أنقرة من خلال سلسلة الاعتقالات هذه وضع حد للانتقادات الواسعة التي تواجهها من الشعب، خاصة أن الإجراءات المفروضة في البلاد ضعيفة
في سابقة من نوعها تشهد تركيا أغرب إجراء احترازي في التاريخ، والذي لم تقدم عليه أي دولة أخرى في العالم حتى أكثرها عنفاً وديكتاتورية، حيث تقوم السلطات الأمنية باعتقال العشرات من المواطنين بسبب فيروس كورونا المستجد الذي يغزو مئات الدول هذه الأيام ويتسبب في أزمة عالمية استثنائية وفي موت الآلاف.
وتحاول أنقرة من خلال سلسلة الاعتقالات هذه وضع حد للانتقادات الواسعة التي تواجهها من الشعب، خاصة أن الإجراءات المفروضة في البلاد ضعيفة وظروف الحجر الصحي للأتراك القادمين من الخارج سيئة، وقد حاول عدد منهم الفرار من أماكن عزلهم
فقد أقدمت السلطات الأمنية التركية على اعتقال أكثر من 64 شخصاً حتى اللحظة، وفق بيانٍ صادرٍ عن وزارة الداخلية قالت فيه إن هؤلاء المحتجزين غرّدوا على مواقع التواصل الاجتماعي بطريقةٍ مستفزّة عن الفيروس المميت واللافت في اعتقال هؤلاء الأتراك المنتقدين لسلوك الحكومة ووزارة الصحة التركية في التعاطي مع أزمة كورونا هو توعّد وزارة الداخلية باعتقال المزيد منهم، حيث قالت في بيانها أيضاً إن العمل متواصل لاحتجاز آخرين تداولوا على مواقع التواصل الاجتماعي منشوراتٍ كاذّبة!
وتحاول أنقرة من خلال سلسلة الاعتقالات هذه وضع حد للانتقادات الواسعة التي تواجهها من الشعب، خاصة أن الإجراءات المفروضة في البلاد ضعيفة وظروف الحجر الصحي للأتراك القادمين من الخارج سيئة، وقد حاول عددٍ منهم الفرار من أماكن عزلهم والتي هي عبارة عن غرفٍ ضمن السكن الجامعي وهي فعلياً غير ملائمة للحجر الصحي، ناهيك عن سهولة الاختلاط بين الناس، وفق ما أظهرت فيديوهات مسرّبة.
ويُضاف إلى ظروف الحجر الصحي غير الملائمة محاولات وزارة الصحة التركية إخفاء الأعداد الحقيقية للمصابين بفيروس كورونا، فقد حذّرت طبيبة تركية من انتشار هذا الفيروس في عدّة مدنٍ في البلاد أبرزها إسطنبول وأنقرة وفي هذا التنبيه الكثير من الحقيقة، فالإجراءات الوقائية في تركيا جاءت متأخرة وأغلقت أنقرة حدودها مع العراق وإيران بعد أسابيع من تفشي كورونا بشكل كبير في الدولة الأخيرة. كذلك فإن حركة الطيران وخاصة رحلات الترانزيت لا تزال مستمرة إلى كبرى مطارات البلاد، الأمر الذي ينذر بمزيد من الإصابات.
ومع عودة آلاف الأتراك من إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وغيرها من الدول الأوروبية والتي وصفتها منظمة الصحة العالمية بأنها "بؤرة للفيروس"، من المتوقع أن يكون أعداد المصابين قد ارتفعت إلى مئات مع تزايد ملحوظ في عدد الوفيات، إلا أن السلطات التركية تصر على إخفاء أعداد المصابين الحقيقيين، حتى أن أنقرة لم تعلن عن أي إصابات إلا بعد أن حذّرت منظمة الصحة العالمية من عواقب تستر بعض الدول على الإصابات لديها، في إشارة غير مباشرة إلى عدّة دول من بينها تركيا.
وباعتقادي أن أنقرة لن تستطيع التستر أكثر على عدد الإصابات لديها رغم هذه الاعتقالات التي طالت منتقدي الحكومة وإجراءاتها الهشة، فالإصابات في تزايد مستمر وأجبرت وزارة الصحة على الإعلان عن أكثر من 300 إصابة في يوم واحد، وهذا يعني أن هؤلاء المصابين قد اختلطوا بالعشرات وربما المئات، خاصة أن ظروف الحجر الصحي غير سليمة والاختلاط فيها كبير بين الناس، لذلك ربما هناك آلاف المصابين الذين لم تعلن أنقرة عنهم لأسباب اقتصادية أبرزها السياحة والاستثمارات.
لذلك ستكون الأيام المقبلة في تركيا صعبة، والخطر من تزايد أعداد المصابين بشكلٍ يصعب السيطرة عليه قائم، والخطر الأكبر أن من يتكلم عن هذا الأمر أو يعترض ويطالب بحقه في الحماية من الفيروس سيتعرض حكماً للاعتقال، الأمر الذي يؤكد أن عدد الإصابات كبير والحكومة ستستمر في إخفاء الأرقام لحين انفجار الوضع، لتكون البلاد أمام كارثة صحية خطيرة على غرار ما حصل في إيطاليا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة