كيف تغير شكل سلطان النيادي خلال 6 أشهر في الفضاء؟
السفر إلى الفضاء ليس بالنزهة، ولكنّه ينطوي على مخاطر كبيرة، لذلك يخضع رواد الفضاء إلى إعداد وتأهيل جسدي ونفسي وصحي مسبق قبيل سفرهم.
وتؤثر رحلات السفر الطويلة إلى الفضاء على وظائف الجسم لدى الرواد، حيث تحدث تغيرات عدة في جسم الإنسان وشكله وطوله، نتيجة وجوده فترات طويلة في بيئة الجاذبية الصغرى في محطة الفضاء الدولية.
ومع عودة رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي إلى الأرض، الإثنين، بعد قضاء 6 أشهر بمحطة الفضاء الدولية في إنجاز تاريخي للعرب، تسلط "العين الإخبارية" الضوء على أبرز التغيرات التي قد تطرأ على جسده.
ويخضع رواد الفضاء للبحث والدراسة خلال مهماتهم لفهم ورصد تلك التأثيرات والتغيرات التي تفيد في إرسال بعثات مأهولة طويلة الأمد، وقد شارك سلطان النيادي في إجراء مثل الدراسات عبر مهمته طويلة الأمد للفضاء التي استغرقت 6 شهور.
وتحدثت عن هذا الأمر، الدكتورة حنان السويدي طبيبة رواد الفضاء التي قدمت لمحة حول المتابعة الطبية لسلطان النيادي قبل عودته، خلال مقطع فيديو بثه مركز محمد بن راشد للفضاء في حسابه بموقع "إكس" (تويتر سابقا).
تقول السويدي: "قبل الرجوع يكون هناك برنامج مختلف، من الأمور الأساسية به ممارسة التمارين الرياضية ساعتين يوميا، للحفاظ على العظام والعضلات، لكي يسهل عليه عند الرجوع برامج إعادة التأهيل والرجوع لطبيعته".
وتابعت :"يكون هناك أيضا تغييرات في الأوزان ما قبل الرجوع، ويتم المتابعة أسبوعيا".
وأضافت "عند الهبوط للأرض، يستقبلهم الطاقم الطبي في أول ساعة عند الرجوع للاطمئنان على صحتهم ويكون معهم لمتابعة حالتهم، إلى الاطمئنان عليهم حتى يعودوا لحركتهم الطبيعية".
ويخضع "النيادي" ورفاقه لفحوص طبية بعد هبوطهم على سطح الأرض، للتأكد من صحتهم، وسترافق "النيادي" الطبيبة حنان السويدي، لإجراء الاختبارات الطبية عليه بخصوص مقارنة النتائج للتجارب التي أجراها على نفسه في بيئة الجاذبية، والتي قد تمتد إلى شهر.
زيادة الطول
من أبرز التغيرات التي تحدث في جسم الإنسان، هو زيادة الطول في الفضاء، وبالفعل أكد سلطان النيادي بنفسه أن طوله قد زاد في الفضاء.
وخلال مقطع فيديو بثه عبر حسابه في موقع التواصل الاجتماعي "إكس" 30 أغسطس/ آب الماضي، عند قيامه بتجربة بدلة "سبيس إكس" التي ارتداها خلال رحلة القدوم، وسيرتديها مجددا عند رحلة العودة، للتأكد من أنها لا تحتاج لأي تعديلات على قياساتها بعد قضاء مدة طويلة في الفضاء، قال النيادي إنه يشعر إن (البذلة) قد قصرت عليه قليلا نتيجة زيادة طوله.
وقال في هذا الصدد: "رواد الفضاء بسبب عدم وجود ضغط على أعمدتهم الفقرية فإن طولهم يزيد لأن الضغط على الفقرات ينخفض وبالتالي تزيد المساحة بين الفقرات، لذلك أشعر أن البدلة صارت أقصر قليلا علي وهذا أمر متوقع".
وسبق أن تصدر رائد الفضاء الياباني نورشيغي كاناي في يناير/ كانون الثاني 2018 عناوين الأخبار بعد أن أعلن أنه ازداد طولا بواقع 9 سنتيمترات على متن محطة الفضاء الدولية خلال 3 أسابيع.
واعترف بعد ذلك أنه أخطأ في الحساب، وأن الزيادة بواقع سنتيمترين فقط، لكن تغيرات الطول طبيعية بالنسبة للرواد الذين يقضون وقتا في الفضاء.
ويؤدي انعدام جاذبية الأرض إلى حدوث تمدد لفقرات العمود الفقري الأمر الذي يؤدي إلى حدوث تغيرات طفيفة في الطول، غير أن دراسات أظهرت أنه بمجرد عودة رائد الفضاء إلى الأرض، يعود الطول إلى طبيعته.
أيضا نتيجة البقاء لفترة طويلة في الفضاء في بيئة تقل فيها الجاذبية كثيرا عن الأرض، وينعدم وزن جسم الإنسان، فإن هناك تغيرات تحدث لجسم الإنسان، من أبرزها ضمور العضلات وفقدان الكتلة البدنية، لكن النيادي كان حريصا على ممارسة الرياضة يوميا لتلافي حدوث هذه التغييرات والتقليل منها.
وسبق أن قام رائد الفضاء سلطان النيادي بشرح التغيرات الجسدية التي يمكن أن تؤثر على الإنسان في الفضاء، وعند العودة، وذلك خلال إجابته على سؤال من المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقال النيادي: "في الفضاء لا نمشي بأقدامنا نستخدم أيدينا للتنقل من مكان لآخر ولا نستخدم عضلات أجسامنا، الأمر الذي يؤدي إلى هشاشة العظام وضمور العضلات وفقدان الكتلة البدنية، ومن هنا تكمن أهمية ممارسة الرياضة في الفضاء يوميا".
وتابع: "الحفاظ على لياقتنا البدنية بالفضاء مهمة غير سهلة.. لذلك كل يوم نتمرن لمدة ساعتين ونصف على أجهزة مصممة بشكل يحاكي قوة الجاذبية على الأرض".
وأكد النيادي مرارا أهمية ممارسة الرياضة في الفضاء.
وسبق أن نشر صورة له خلال ممارسة الرياضة، وغرد قائلاً: "على الأرض الرياضة مهمة.. أما في الفضاء فلا غنى عنها.. نمارس الرياضة على متن محطة الفضاء الدولية لنحو ساعتين ونصف يوميًّا لتفادي ضمور العضلات وضعف العظام في بيئة الجاذبية الصغرى".
وظائف الأعضاء الداخلية
أيضًا من الأعراض الإضافية، إعادة توزيع السوائل داخل جسم الإنسان في الفضاء في بيئة الجاذبية الصغرى، والذي يسبب مظهر الوجه البدري، أو الوجه النمطي في صور رواد الفضاء الذين قد يتعرضون لانعدام الوزن.
وهو ما تحدث عنه النيادي في أحد مقاطع الفيديو الذي بثه مركز محمد بن راشد للفضاء خلال إحدى التجارب، قال فيه "انعدام الوزن في الفضاء يمكن أن يؤثر على صحة رواد الفضاء على المدى الطويل، فعندما يصل رواد الفضاء إلى محطة الفضاء الدولية يتجمع الدم في الجهة العليا من الجسم، ما يؤدي إلى تورم الوجه، كما يمكن أن يؤثر على التنفس ووظائف القلب، وينتج عن ذلك تراجع اللياقة البدنية".
أيضا يكون لبيئة الجاذبية الصغرى تأثير على وظائف القلب والأوعية الدموية والجهاز التنفسي.
النظر وشكل الوجه
أيضا قد يؤثر هذا الأمر على النظر، وهو أمر سبق أن تحدث عنه سلطان النيادي، في إحدى تغريداته، قال فيها: "هنا بمحطة الفضاء الدولية تتحرك السوائل بجسمنا باتجاه الرأس، وهذا الشيء ممكن أن يشكل ضغطا على العينين ومشاكل في النظر".
وأكمل: "لنعرف تأثير بيئة الجاذبية الصغرى على نظرنا في الفضاء خلال المهمات طويلة الأمد، نقوم بالتصوير المقطعي الذي يقدم لنا صور دقيقة جدًا لشبكية العين".
وقد شارك النيادي في تجربة Cardiobreath وهي عبارة عن تحليل مدى تأثير بيئة الجاذبية الصغرى على وظائف القلب والأوعية الدموية والجهاز التنفسي، وتم إجراؤها بالتعاون مع وكالة الفضاء الكندية، وجامعة سيمون فريزر، وجامعة داكوتا الشمالية.
ويقوم رواد الفضاء على متن محطة الفضاء الدولية، خلال هذه التجربة، بمراقبة معدل ضربات القلب، وضغط الدم، ومستوى الأكسجين في الدم، وتخطيط القلب باستخدام قميص المراقبة الحيوية، الذي تم تطويره لصالح وكالة الفضاء الكندية.
وأجريت هذه التجربة على مرحلتين؛ الأولى كانت من خلال ارتداء سلطان النيادي لجهاز مراقبة الوظائف الحيوية، خلال العمل على دراجة لمدة 25 دقيقة. وتم تتبع البيانات من قبل الباحثين الذين راقبوا معدل ضربات القلب، وضغط الدم، ومعدل التنفس، ومستويات النشاط في كل من الدورة وأثناء وقوفه لقياس التوازن.
وفي المرحلة الثانية، ارتدى سلطان قميص Bio-Monitor المُجهز خصيصًا لهذه التجربة، وقام بمراقبة نبضات القلب، وضغط الدم، والتنفس، وغيرها من الوظائف الحيوية خلال العمل على الدراجة، وأثناء الطفو في محطة الفضاء الدولية.
وسيتم أيضًا مقارنة النتائج من قبل الباحثين على الأرض لتحديد التدابير المضادة لمخاطر أمراض القلب والجهاز التنفسي في الفضاء.
تهدف هذه الدراسة إلى مراقبة التغيرات في كيفية تحكم أجهزة القلب والأوعية الدموية والجهاز التنفسي لرواد الفضاء في ضغط الدم، بهدف ضمان بقاء الطاقم بصحة جيدة في طريق عودتهم من الفضاء.
وستفيد التجربة في تحديد التدابير المضادة لمخاطر أمراض القلب والجهاز التنفسي في الفضاء. وسيفيد البحث أيضًا في دراسة وعلاج المرضى من كبار السن على الأرض.
وستسهم دراسة Cardiobreath في دعم رواد الفضاء؛ من خلال تحليل أنظمة القلب والأوعية الدموية والجهاز التنفسي، وفهم تأثيراتها على ضغط الدم، كما ستسلط الدراسة أيضًا الضوء على الاضطرابات التي يمكن أن يُسببها انعدام الوزن، مع التركيز على مقارنة البيانات بين رواد الفضاء من الذكور والإناث.
ومع عودة سلطان النيادي إلى الأرض، مختتما مهمته التاريخية، وخضوعه لفحوص طبية دقيقة، فإن التغيرات التي حدثت لها بالفعل على أي صعيد، سيتم حسمها ومعرفتها على وجه الدقة، مع مقارنة نتائج الدراسات والبحوث التي أجراها على محطة الفضاء الدولية وبعد عودته، وأيا كانت النتائج فإنها قطعا ستصب في صالح خدمة البشرية جمعاء، وسيتم توظيفها في الأبحاث الجارية لإرسال بعثات فضائية مأهولة طويلة الأمد.