الطيران العالمي ومسار الصفر الصافي.. خارطة طريق لتسريع إزالة الكربون
الوقود المستدام هدف الطيران المستقبلي
تُعد صناعة الطيران العالمية مسؤولة عما يقرب من 3% من انبعاثات الكربون العالمية.
ومن المتوقع أن تنبعث منها المزيد مع ارتفاع الطلب على السفر في الاقتصادات الناشئة؛ حيث لا يوجد إجراء واحد لإزالة الكربون من القطاع، وسيتطلب تحقيق صافي الصفر تركيزًا واسعًا يزيد من إمكانات التقدم التكنولوجي والحوافز المالية والشراكات، ولكن القيام بذلك سيضع القطاع على المسار الصحيح مع خارطة طريق إزالة الكربون.
انبعاثات قطاع الطيران
وفقًا لدراسة توزيع الانبعاثات الموضحة في تقرير Waypoint 2050 الصادر عن مجموعة عمل النقل الجوي Air Transport Action Group، بلغت نسبة انبعاثات الطيران نحو 96% من الطائرات التي تحتوي على أكثر من 100 مقعد. ومن اللافت للنظر أن 66% من هذه الانبعاثات تُعزى إلى هيمنة الطائرات أحادية الممر على السوق. بالإضافة إلى أن نسبة 4% المتبقية مرتبطة بالطائرات التي يتم نشرها بشكل شائع للطرق الإقليمية.
هدف صافي الانبعاثات الصفرية
تبنت منظمة الطيران المدني الدولي (إيكاو ICAO) العام الماضي، هدفًا طموحًا للطيران الدولي لتحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050.
يعزز هذا الالتزام الأهداف والالتزامات الحالية التي تعهدت بها صناعة الطيران العالمية والدول. ومع ذلك، فإن اعتماد هدف انبعاثات صافي الانبعاثات الصفرية، يُقر أيضًا بالتحدي الهائل الذي يواجهه قطاع الطيران، معترفًا به كواحد من أكثر القطاعات تحديًا لإزالة الكربون، ويتطلب جميع الخيارات المتاحة، بما في ذلك الطائرات التي تعمل بالبطاريات والكهرباء والهيدروجين.
ووفقًا للتقرير، تُمثل الحاجة للوصول إلى انبعاثات صفرية بحلول عام 2050، تحديًا كبيرًا فيما يتعلق بتوافر المواد الأولية، خاصة وأن موارد الكتلة الحيوية محدودة. وبالتالي لتلبية الطلب للوصول لصافي الانبعاثات الصفرية، سوف يستلزم إنشاء 300 مصنع لإنتاج الوقود المستدام بحلول عام 2030، مع متطلبات متوقعة تصل إلى 3400 مصنع بحلول عام 2050.
سيلعب قطاع الطيران دورًا رئيسًا في مواجهة هذا التحدي، لكن من الواضح أن هناك حاجة إلى أهداف حكومية وأطر وسياسات لدعم التبني الواسع للوقود المستدام في صناعة الطيران.
- الإمارات تعزز سياسة "السماء النظيفة" بالاستثمار في وقود الطيران المستدام
- من باب حماية المناخ.. استراتيجية بايدن الخضراء تعيد تشكيل اقتصاد أمريكا
الوقود المستدام
ينصب التركيز على الوقود المستدام SAF، الذي يُقدم حلاً مجديًا تقنيًا باستخدام البنية التحتية الحالية للطائرات والمطارات؛ لإزالة الكربون من قطاع الطيران العالمي.
ويُعرف الوقود المستدام، بأنه وقود حيوي مصنوع من مواد نباتية أو حيوانية، بخلاف الوقود الأحفوري. وبينما يمثل استخدام الوقود المستدام في الطيران حاليا نسبة 0.1% من الاستهلاك الإجمالي للوقود في القطاع، فقد استحدثت بريطانيا قانونًا يُلزم شركات الطيران باستخدام وقود مستدام بنسبة لا تقل عن 10% من وقود الطائرات بحلول عام 2030.
وبالتالي فمن المتوقع أن يُساعد ذلك الوقود في تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة تتراوح بين 46% - 65%، بحسب ما ذكره المنتدى الاقتصادي العالمي؛ حيث يتم تصنيع هذا الوقود من الكتلة الحيوية بما في ذلك الطحالب ومخلفات المحاصيل الزراعية ونفايات الحيوانات ومخلفات الغابات، فضلا عن النفايات اليومية من فضلات الطعام وتغليف المنتجات.
البطاريات الكهربائية والهيدروجين
لتوسيع نطاق الوصول إلى الوقود المستدام، من المحتمل أن يكون النشر السريع لمحطات تحويل الطاقة إلى سائل مطلوبًا بعد عام 2030؛ للتغلب على قيود المواد الأولية للطرق القائمة على أساس حيوي.
ومن الملاحظ أنه عند النظر في السياق الأوسع لإزالة الكربون، قد تتجاوز أهمية الكهربة التقديرات الأولية؛ حيث تُشير التوقعات إلى أهميتها في خفض الانبعاثات عند حوالي 2%. والجدير بالذكر أيضًا، أن الطائرات التي تعمل بالبطاريات ستوفر ميزة التخلص من الانبعاثات أثناء الطيران.
في السنوات الأخيرة، ظهرت مفاهيم عديدة لمركبات الإقلاع والهبوط العمودي الكهربائية. ومع ذلك، لا يُقصد منها أن تحل تمامًا محل الطائرات التجارية والإقليمية الحالية، والتي تعمل عادةً على مسافات تقل عن 800 كيلومتر.
وفقًا لتقرير المنتدى Target True Zero؛ سيتم إطلاق بطارية مستدامة تعمل بالطاقة الهيدروجينية، بحلول عام 2035، ومن المتوقع أن يبلغ أقصى مدى تشغيلي للطائرة التي تعمل ببطارية ليثيوم أيون حوالي 400 كيلومتر، ويزيد إلى 600 كيلومتر بحلول عام 2050.
وإذا استمرت الطائرات التي تعمل بالبطاريات في التطور، فسوف تزداد أهمية الكهرباء ضمن الإطار العالمي لإزالة الكربون، كما يمكن للمحركات الكهربائية جنبًا إلى جنب مع التقنيات الأخرى، مثل الدفع الكهربائي مع الوقود المستدام أو الهيدروجين، كما هو الحال في الطائرات الهجينة، أن توسع نطاق الطيران بشكل كبير.
- الطائرات الهجينة
يعزز النطاق الأوسع من إمكانات السوق الإقليمية، من وضع الطائرات الهجينة -وهي طائرة مدعومة جزئياً بمحرك كهربائي صديق للبيئة، ويمكن أن تعمل أيضاً بوقود الطائرات التقليدية- كبديل قابل للتطبيق لتصميمات المحركات التوربينية الجديدة التي يمكن أن تقلل الانبعاثات بشكل كبير مقارنة بالطائرات الصغيرة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للطائرات الهجينة المساعدة في تسهيل عمليات اعتماد السلامة والأمن للمحركات الكهربائية ومفاهيم الهيدروجين.
علاوة على ذلك، على المدى القصير، يمكن للطائرات الهجينة أن تساهم في إزالة الكربون من العمليات على الأرض خلال مراحل الإقلاع والهبوط، مما يوفر فوائد بيئية فورية.
- الجهود التقنية
تُظهر الحاجة إلى الجمع بين العديد من الجهود التقنية للتنفيذ الناجح للبطاريات الكهربائية، مع ضمان توافر مصادر الشحن المتجددة، وتحسين دورات عمر البطارية، وتعزيز كثافة الطاقة.
يمكن أن يؤدي تعظيم كثافة الطاقة إلى تحسين نطاق وكفاءة الطائرات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات بشكل كبير، مما يدعم جدواها كحل طيران مستدام.
- الهيدروجين
برزت الطائرات الهيدروجينية كأفضل الخيارات مستقبلًا؛ بالنظر إلى أن تقنيات الوقود النظيف تؤدي دورًا مهمًا وسهلًا في تسيير الطائرات بدلًا من انبعاثات تلك العاملة بالوقود، أو تحديات الطائرات الكهربائية العاملة بالبطاريات. هذا، وتفوق كثافة طاقة الطائرات الهيدروجينية كثافة طاقة الطائرات التقليدية العاملة بالوقود بنحو 3 أضعاف، ما يؤهل وقود الهيدروجين لتزويد الطائرات قصيرة ومتوسطة المدى بإمدادات نظيفة خاصة، إذا ما أُنتِجَ اعتمادًا على مصادر طاقة متجددة.
وتكتسب الطائرات العاملة بوقود الهيدروجين ميزة إضافية من حيث التكلفة، إذ إنها تتطلب إضافة تعديلات على محركات توربين الغاز بالطائرات التقليدية بما يسمح بحرق الهيدروجين السائل، أو اللجوء إلى خيار الحصول على الكهرباء عبر تفاعلات خلايا وقود الهيدروجين.
بشكل عام، لا يزال جزء كبير (حوالي 26%) من خفض الانبعاثات يعتمد على تقنية "الهيدروجين". وهذا يعني أهمية الحاجة إلى تسريع الطاقة الإنتاجية للهيدروجين الأخضر بحلول عام 2035؛ حيث يُعُّد الإمداد الكافي من الهيدروجين الأخضر أمرًا ضروريًا.
وتُتيح تلك التفاعلات توافر إمدادات كهرباء بصورة متواصلة، إذ إن توافر الوقود والأوكسجين يعزز عملية توليد الكهرباء المستمرة في خلايا وقود الهيدروجين، وهو ما يميزها عن السيارات العاملة بمحركات الاحتراق أو السيارات الكهربائية المعتمدة على البطارية. وتوفر تقنية عمل خلايا الوقود بالهيدروجين ضمانات بيئية لتجنّبها الانبعاثات الكربونية والأكاسيد النيتروجينية، ما يضمن نظافة الطائرات الهيدروجينية بصفتها إحدى وسائل النقل صديقة البيئة.
على صعيد آخر، تُركز الجهود على البحث والتخفيف من التأثير المحتمل للنفاثات التي تشكلها الطائرات التي تعمل بالوقود الهيدروجيني والتي تحتوي على زيادة بخار الماء. من خلال إعطاء الأولوية لهذه الاعتبارات، يُمكن لصناعة الطيران إطلاق الإمكانات الكاملة لتكنولوجيا الهيدروجين ودفع الانتقال نحو مستقبل مستدام وخالي من الكربون.
الإمارات نموذجًا
تتبنى دولة الإمارات حلولاً مبتكرة لمواجهة تحديات الطاقة والتغيرات المناخية وغيرهما من القضايا المتعلقة بالاستدامة، ترجمة لدورها الريادي في الاستثمار في مجال الطاقة منخفضة الانبعاثات الكربونية، وعلى رأسها مجال إنتاج الوقود المستدام للطائرات.
وفي ضوء ذلك، فقد واكبت وزارة الطاقة والبنية التحتية، "الخطة الطموحة لدولة الإمارات بأن تكون مركزاً إقليمياً لوقود الطائرات المستدام"، بإطلاق خارطة الطريق الوطنية للوقود المستدام للطائرات، والتي تستهدف تسريع العمل على إزالة الكربون من قطاع الطيران، والمساهمة في تحقيق مستهدفات دولة الإمارات في الحياد المناخي، وتعزيز كفاءة استهلاك الوقود والحفاظ عليه في أحد القطاعات الحيوية الداعمة للاقتصادات الوطنية.
كما أعلنت وزارة الاقتصاد بدولة الإمارات في مايو/أيار 2023 عن انضمام "أوديس أفياشن" الشركة المتخصصة في تطوير طائرات هجينة- كهربائية عمودية الإقلاع والهبوط ومصممة للرحلات القصيرة، إلى مبادرة "الجيل التالي من الاستثمارات الأجنبية المباشرة" الذي يوفر للشركات الرائدة في القطاعات عالية الإمكانات، الأساسيات اللازمة لدخول السوق ثم إطلاق وتوسيع نطاق عملياتها بسلاسة من داخل دولة الإمارات.
وستمتلك طائرات الشركة، المصممة لخدمات نقل الركاب والبضائع وحالات الطوارئ، القدرة على توفير دفع كهربائي بالكامل لمسافة 320 كيلومتراً، بمدى كهربائي-هجين يزيد عن 1,200 كيلومتراً. ويعني ذلك أن تلك الطائرات يمكنها تقليل الانبعاثات الكربونية للسفر الجوي في منطقة مجلس التعاون الخليجي بنسبة تصل إلى 76%، وتوفير وسيلة سفر بديلة خالية من الكربون لكل الرحلات عبر أنحاء دولة الإمارات. وتخطط الشركة الناشئة، ومقرها كاليفورنيا، لإطلاق نموذج أولي كامل عام 2025، ثم دخول الطائرة في الخدمة عام 2027.
aXA6IDE4LjIyNC41Ni4xMjcg جزيرة ام اند امز