مسار الصفر الصافي.. كيف يصبح قطاع الطيران مستداما؟
دخل قطاع الطيران مرحلة سباق مع الزمن على مسار الصفر الصافي وبلوغ مستهدفات الحياد الكربوني بحلول 2050.
قطاع الطيران العالمي يعتبر شريكًا في الانبعاثات الكربونية المتصاعدة اليوم والتي تهدد بتكريس التغير المناخي وأزمة الاحترار العالمي، لكن كيف يساهم في استشراف المستقبل النظيف والوصول إلى صفر انبعاثات؟
في الوقت الذي تتوقع فيه "المنظمة الدولية للطيران المدني" (ICAO) التابعة للأمم المتحدة أن يتضاعف حجم انبعاثات الطيران 3 مرات بحلول 2050 مقارنة بمستواها في 2015؛ تتخذ بعض الدول إجراءات لمنع الرحلات الجوية القصيرة عندما يصبح استخدام القطار بديلاً متاحاً، بحسب وكالة بلومبرغ للأنباء.
لم يعد أمام قطاع الطيران الكثير من الوقت لخفض انبعاثاته؛ وإلا سيواجه نموه مزيداً من القيود. كما يعني ذلك ضرورة الاتجاه نحو تطوير طائرات تعمل بالكهرباء أو الوقود النظيف.
القضاء على انبعاثات الكربون من الطيران حافل بالعقبات الفنية والاقتصادية، لا سيما قوانين الفيزياء الثابتة. فإقلاع طائرة "إيرباص" طراز "إيه 320" التي تزن 80 طناً عن سطح الأرض يتطلب قدراً هائلاً من الطاقة. وتحمل الطائرة العادية نحو 200 ألف لتر (5283 غالوناً) من الكيروسين، أو ما يقارب 10 أضعاف الوقود الذي تستخدمه سيارة عادية في عام.
كما أن الرحلات الجوية الطويلة، قد تسبب قدراً أكبر من التلوث، فكمية ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن رحلة من فرانكفورت إلى نيويورك على متن طائرة "بوينغ" طراز "747" تقارب الكمية الناتجة عن تدفئة 440 منزلاً في ألمانيا لمدة عام (نحو ألفي كيلوغرام تقريباً أو 4400 رطلاً لكل راكب). وبينما تعمل الشركات الناشئة على بطاريات لإقلاع الطائرات الصغيرة إلى الجو، لا يوجد حتى الآن بديل عملي لمحركات الدفع بالاحتراق الداخلي لطائرات الرحلات الطويلة.
طائرات تعمل بالهيدروجين.. الحل الأمثل
تراهن شركة "إيرباص"، أكبر شركة لصنع الطائرات في العالم، على أن الطائرات التي تعمل بالهيدروجين قد تكون الحل الأمثل لطيران خالٍ من الانبعاثات. وقالت الشركة إنها ستوفر طرازاً للاستخدام التجاري منها بحلول منتصف العقد المقبل. كما تحول الشركة أول طائرة صنعتها من طراز "إيه 380" العملاقة إلى طائرة للعروض فقط، حيث من المقرر أن تؤدي اختبارات الطيران لمحرك الاحتراق الداخلي الذي يعمل بالهيدروجين المُركب على هيكلها بدءاً من 2026.
أما منافستها الأمريكية "بوينغ" فتختبر خلايا وقود الهيدروجين على الطائرات بدون طيار الحربية طراز "سكان إيغل 3" (ScanEagle3). مع ذلك، تقول الشركة إن الطائرات التي تعمل بالهيدروجين لن تكون واقعاً ملموساً إلا في النصف الثاني من القرن. كما لا توجد بنية تحتية حقيقية في المطارات لدعم التوسع في استخدام الوقود. يُذكر أن الهيدروجين يحتاج أيضاً إلى التبريد وقابل للاشتعال.
وقود الطيران المستدام SAF
ظهر "وقود الطيران المستدام" (SAF)، وهو مصطلح شامل لبدائل الكيروسين المعتمد على الوقود الأحفوري، باعتباره وسيلة للطائرات صفرية الانبعاثات. ويشتق أحد أنواعه إما من المكونات الحيوية، مثل بقايا زيت الطعام أو الدهون الحيوانية أو النفايات المحلية أو مخلفات الغابات، أما النوع الآخر فهو وقود مُصنّع يُنتج باستخدام الكهرباء لفصل المياه إلى أكسجين وهيدروجين، ثم مزج الهيدروجين مع الكربون المستخرج من الهواء. وكحال الكيروسين، يطلق "وقود الطيران المستدام" ثاني أكسيد الكربون ومواد ملوثة أخرى في الهواء، فخفض الانبعاثات ناجم عن حقيقة أن المواد المحروقة لا تنتج عن استخراج الوقود الأحفوري المعزول لآلاف السنين.
في إطار جهود الوصول إلى صافي انبعاثات صفري، يريد الاتحاد الأوروبي أن يحتوي كل وقود الطائرات على 2% من "وقود الطيران المستدام" بدءاً من 2025، على أن ترتفع هذه النسبة إلى 63% بحلول 2063. أما في الفترة الحالية، فبالكاد يكفي الإنتاج العالمي السنوي لتزويد الأسطول العالمي بالوقود لبضعة أيام.
الطائرات الكهربائية
تطور "هارت إيروسبيس" (Heart Aerospace)، وهي شركة ناشئة سويدية، طائرة كهربائية تطلق عليها "إي إس-30" (ES-30) تتسع لثلاثين راكباً وتطير لمسافة 200 كيلومتر (124 ميلاً) بالطاقة الكهربائية كلياً وبانبعاثات صفرية، وتقول الشركة إن "إي إس-30" ستدخل الخدمة في 2028.
في غضون ذلك، حولت شركة "أمبير" (Ampaire Inc.)، ومقرها في لوس أنجلوس، طائرة من طراز "سيسنا غراند كارافان" (Cessna Grand Caravan) التي تتسع لأحد عشر راكباً إلى طراز هجين يعمل بمحرك الاحتراق الداخلي التقليدي ومحرك كهربائي. وتقول "أمبير" إن الطائرة دخلت الخدمة في 2021 ويمكنها خفض استهلاك الوقود وانبعاثات الغازات الدفيئة 50%. إجمالاً، تقول شركة "رولاند بيرغر" (Roland Berger) الاستشارية إن هناك نحو 100 برنامج مختلف للطائرات الكهربائية قيد التطوير في أرجاء العالم.
تكمن المعضلة الكبرى في حجم ووزن البطاريات اللازمة لتزويدها بالطاقة. فلا تخزن بطاريات الليثيوم الحالية إلا قدراً ضئيلاً من الطاقة مقارنة بالحجم ذاته من الوقود النفاث السائل، ما يجعلها عديمة الجدوى للطائرات الضخمة والرحلات الطويلة. كما أنها، على خلاف الوقود السائل، لا ينخفض وزنها مع تقدم الرحلة. وتحُد التكنولوجيا الهجينة من أثر ذلك باستخدام المحركين، التقليدي والكهربائي، معاً. فإما يتشاركان عبء العمل، أو يشحن المحرك التقليدي البطاريات.
aXA6IDE4LjExOC4zMi43IA== جزيرة ام اند امز