كيف يبدو سعر الكربون المثالي؟
أصبح تحديد سعر لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري -بالنسبة لمعظم الاقتصاديين- أفضل طريقة لمعالجة تغير المناخ، ما يسمح للمجتمع بتحديد وحدة مكافئة لثاني أكسيد الكربون للتخلي عنه، إذ يُمكن إعادة توزيع العائدات، ما يساعد بدوره في إزالة الكربون.
كما أن الامتثال لسعر الكربون سوف يُجبر الشركات والمستثمرين على تتبع انبعاثاتهم لتحديد أي من أصولهم الأكثر تلوثًا للبيئة.
مخططات تسعير الكربون
يُعرّف تسعير الكربون بأنه التكلفة المطبقة للحد من انبعاث الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي. كما أنه يُعد حافزا للمنتجين/الباعثين؛ للابتعاد عن الإنتاج كثيف الكربون. فقد لا يقتصر تأثير تسعير الكربون على تشجيع السلوك منخفض الكربون فقط، على سبيل المثال، استخدام الدراجة بدلاً من قيادة السيارة، ولكن أيضًا جمع الأموال التي يمكن استخدامها في تطوير واستخدام التكنولوجيا النظيفة للمساهمة في تقليل الانبعاثات.
هذا، وأصبح تسعير الكربون، الذي يُعد أهم أداة للسياسات من أجل تحقيق التخفيضات الهائلة التي يحتاج العالم إليها؛ يحتل موقعًا مركزيًّا في مناقشات صندوق النقد الدولي بشأن السياسات مع البلدان الأعضاء. فمن خلال جعل مصادر الطاقة الملوِّثة أعلى تكلفة من المصادر النظيفة، يتيح تسعير الكربون حوافز لتحسين كفاءة استخدام الطاقة ولإعادة توجيه جهود الابتكار نحو التكنولوجيا الخضراء.
وفي هذا الصدد، ووفقًا للبنك الدولي، يوجد الآن نحو 73 مخططًا لتسعير الكربون في جميع أنحاء العالم، التي تُغطي حوالي 23% من الانبعاثات العالمية؛ ارتفاعًا من 7% فقط قبل عقد من الزمن. هذا، وتشمل حصيلة البنك كلاً من مخططات تداول الانبعاثات، وضرائب الكربون التي تحدد الحكومة سعرًا مباشرًا لها، إذ يُمكن للمتسببين بالتلوث تداول التصاريح في السوق، بحسب ما ذكرته مجلة الإيكونوميست.
هذا، ويُشار إلى أن العديد من الدول الأوروبية وبعض الولايات داخل أمريكا والصين، قد بدأت في تنفيذ ما يُطلق عليه نظام مخططات تسعير الكربون، الذي يسمح بتحديد سعر لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري ضمن حدود وشروط معينة، تستهدف فقط قطاعات التصنيع كثيفة الكربون. كما تُجدر الإشارة إلى انطلاق أكبر مخطط لتسعير الكربون في الصين عام 2021، الذي يغطي صناعة الطاقة في البلاد بنحو 9% من الانبعاثات العالمية. وفي أمريكا -المُحصنة ضد مخططات تسعير الكربون على المستوى الفيدرالي- يقوم عدد متزايد من الولايات بتحديد أسعار تسعير الكربون الخاصة بها؛ وفي هذا الصدد، أطلقت ولاية واشنطن مخطط تداول الانبعاثات في يناير/كانون الثاني 2023، والذي وضع حدًا أقصى لما يقرب من 70% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في واشنطن.
انتقادات مخططات تسعير الكربون
في ضوء ما سبق، يركز النقاد على نقطتين: الأولى، "أسعار الكربون"؛ حيث إن أسعار الكربون ليست مرتفعة بما يكفي، فعلى سبيل المثال؛ رغم أن مخطط تداول الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي يُعد أحد أكثر المخططات شمولاً؛ لكنه مع ذلك، يستبعد المباني ووسائل النقل؛ حيث تُمنح البدلات لشركات الطيران والصناعات الثقيلة باسم القدرة التنافسية، وبالتالي فإن الأسعار مرتفعة نسبيًا في أوروبا، حيث وصلت إلى 100 يورو (107 دولارات) للطن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون في فبراير/شباط 2023، لكنها منخفضة جدًا في أماكن أخرى. من هذا المنطلق، يعتقد البنك الدولي أن أقل من 5% من الانبعاثات يتم تسعيرها عند أو أعلى من المستوى المطلوب، من أجل أن تقتصر الزيادات في درجات الحرارة على درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الصناعة.
هذا، ويعكس قلق النقاد الثاني: "العدالة"، إذ يُجادل النقاد بأنه بدلاً من ضمان أن يدفع الملوثون تكلفة إضرارهم بالبيئة، فإن تكلفة أسعار الكربون ستقع على عاتق الفقراء بشكل كبير، والتي ستنعكس على رفع أسعار الطاقة -وهي عادة المنطقة الوحيدة في الاقتصاد التي تخضع لها بالكامل- وتدفع الوظائف الصناعية إلى الخارج، بعيدًا عن متناول خطط تداول الانبعاثات. وتوقعًا للرد على هذه الانتقادات، يخفف السياسيون من تسعير المخططات، لذلك فإن التخفيضات الموعودة للانبعاثات لا تتحقق أبدًا.
مزايا مخططات تسعير الكربون
نجحت مخططات تسعير الكربون في خفض الانبعاثات؛ هذا، ويُقدر البنك الدولي أن ضرائب الكربون وخطط تداول الانبعاثات ستجمع حوالي 100 مليار دولار للحكومات هذا العام. فضلًا أنه مع توسع مخططات تسعير الكربون، سيزداد المبلغ، ما يساعد في معالجة أحد الانتقادات؛ بأن الإجراءات ليست عدوانية بما فيه الكفاية. ولمعالجة الآخر -أي أنه يضر بالفقراء- يجب على صانعي السياسة تبني أهمية إعادة التدوير؛ حيث يمكن أن يولد تسعير الكربون -وفقًا لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ 2022- أيضًا إيرادات يمكن إعادة تدويرها في الاقتصاد الأخضر من خلال الإنفاق الحكومي على البحث والتطوير في التكنولوجيا الخضراء، الذي سيساعد بدوره الفقراء على التكيف مع آثار تغير المناخ، أو إدارة الآثار الاقتصادية للانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون.
ومن جانبه، أشار صندوق النقد الدولي إلى ضرورة دعم تسعير الكربون بحزمة من التدابير الأوسع نطاقا لتعزيز كفاءته ومقبوليته، بما في ذلك الاستثمار العام في شبكات التكنولوجيا النظيفة (مثل النهوض بالشبكات حتى تتحمل مصادر الطاقة المتجددة) واتخاذ تدابير لمساعدة كل من الأسر، والعمالة، والمناطق المعرضة للخطر. ومع ذلك، فمن الضروري اتخاذ تدابير إضافية على المستوى العالمي تعادل سعر 75 دولارا للطن أو أكثر بحلول عام 2030.
تبعات تسعير الكربون
يُعد قياس تأثير أسعار الكربون أمرًا صعبًا، إذ إن أسعار الكربون، مثل أسعار الفائدة، تؤثر على الاقتصاد وتتأثر به؛ وبالتالي سيؤدي ارتفاع سعر الكربون إلى خفض معدلات النشاط الاقتصادي ورفع أسعار المستهلكين؛ لكن الاقتصاد الأقوى سيرفع أيضًا سعر تصريح الكربون. قد يكون السياسيون أكثر ارتياحًا لزيادة ضرائب الكربون عندما يزدهر الاقتصاد، وقد يتخذون خطوات لقطعها في الأوقات العصيبة. على سبيل المثال، في مايو/أيار 2022، أعلنت المفوضية الأوروبية عن مزاد لتصاريح الفائض خلال أزمة الطاقة التي أعقبت الأزمة الروسية الأوكرانية، من أجل خفض الأسعار. ومن جانبها، استخدمت "ماريون ليروتييه" من كلية ستوكهولم للاقتصاد طريقة "تحكم اصطناعي" لفحص ضريبة الزيادة على مخطط تداول الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي الذي قدمته بريطانيا في عام 2013. وفي ضوء ذلك، تقُدر ليروتييه أن الضريبة أدت إلى تخفيض 20-26% في الانبعاثات من صناعة الطاقة.
وعلى صعيد آخر، حاول كل من "جيلبرت ميتكالف" من جامعة تافتس و"جيمس ستوك" من جامعة هارفارد تفسير السياق الاقتصادي الأوسع؛ إذ إنهم ينظرون إلى 31 دولة أوروبية، تتحكم في الانبعاثات السابقة والنمو الاقتصادي، من أجل عزل التباين في أسعار الكربون التي لا تفسرها حالة الاقتصاد. وجد الباحثان أن ضرائب الكربون تقلل من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري مثلما توقع الاقتصاديون سابقًا. بشكل ملحوظ، لم يجدوا أي تأثير تقريبًا، سواء كان إيجابيًا أو سلبيًا، على النمو الاقتصادي والعمالة، ربما بسبب وجود ابتكارات أكثر مما كان متوقعًا.
aXA6IDMuMTM1LjI0Ny4xNyA=
جزيرة ام اند امز