بعد إقرار الهدنة في غزة.. أرقام مرعبة توثق الكارثة الإنسانية
بعد أكثر من 15 شهراً من الحرب المدمرة التي راح ضحيتها الآلاف من المدنيين في غزة، أعلنت إسرائيل وحركة حماس عن اتفاق لوقف إطلاق النار.
ورغم التوصل إلى هذه الهدنة التي قد توفر بعض الراحة للمتأثرين بالنزاع، فإن الوضع الإنساني في القطاع لا يزال مقلقاً للغاية، في ظل الحاجة الماسة إلى دعم صحي وإنساني عاجل.
لا مياه أو كهرباء أو غذاء
أكد مدير الإغاثة الطبية في غزة محمد أبوعفش أن القطاع الطبي يعمل بجهد منذ بدء الحرب، بالتنسيق مع جميع المؤسسات التي تعمل في القطاع، حتى يتم إدخال المساعدات الإنسانية وتوزيعها على جميع سكان القطاع سواء في الشمال أو الجنوب، معربا عن أمله في دخول كميات كبيرة من المساعدات حتى يتم إنشاء المخيمات وتوفير الرعاية والأمن للشعب الفلسطيني.
وقال أبوعفش "نعاني معاناة شديدة في المنظومة الصحية ونقصا في الأدوية والمستلزمات الطبية، ونحتاج إلى كميات كبيرة من الأدوية والأدوات حتى نتمكن من إسعاف المرضى الذين يعانون منذ أكثر من 15 شهرا".
وأضاف "أن القطاع يعاني نقصا في كل شيء، فلا توجد مياه أو كهرباء أو غذاء، حيث قُصفت جميع مخازن الأدوية والأطعمة ومحطات الكهرباء ومحطات تحلية المياه والمستشفيات في شمال غزة، لذلك هناك أولويات لا بد من تحقيقها، أهمها إدخال مستشفيات ميدانية ومولدات الكهرباء والأطعمة والخيام بشكل سريع".
وأشار إلى أنه يجب نقل الجرحى ومن يحتاجون لعمليات كبرى إلى الخارج، معربا عن أمله في أن تقوم الدول العربية باستيعاب الجرحى والمرضى وتقديم الخدمات الطبية لهم على الفور.
7 % من سكان غزة قد تعرضوا إما للقتل أو الإصابة
أكد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، في تصريحات صحفية، أن المنظمة مستعدة لزيادة دعمها الطبي بالتعاون مع الشركاء لمساعدة سكان غزة، حيث لا تزال الاحتياجات الصحية ضخمة.
وأوضح أن أكثر من 25% من الجرحى الذين بلغ عددهم 105 آلاف يعانون إصابات خطيرة ستتطلب جهوداً طبية مكثفة لإعادة التأهيل على المدى الطويل.
من جانبه، أشار الدكتور ريك بيبركورن، ممثل منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية، إلى أن نحو 7% من سكان غزة قد تعرضوا إما للقتل وإما للإصابة منذ بداية الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023، وأن أكثر من 12 ألف شخص في حاجة إلى إجلاء طبي عاجل لتلقي العلاج.
فيما يتعلق بحماية المدنيين أبدى مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك قلقه البالغ من استمرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في غزة، مؤكداً أن الهجمات على المستشفيات من قبل الجيش الإسرائيلي أدت إلى وفاة العديد من المرضى وموظفي المستشفيات، ما فاقم معاناة المدنيين.
وتشير تقارير منظمات إنسانية دولية مثل أوكسفام إلى أن الأوضاع الإنسانية تزداد سوءا، مع استمرار عرقلة وصول المساعدات الأساسية مثل الغذاء والماء.
غرق الخيام
وأضاف تقرير صادر عن الأمم المتحدة أن الأحوال الجوية السيئة أدت إلى غرق خيام النازحين في غزة، ما يفاقم معاناتهم في فصل الشتاء القاسي، في وقت يعاني فيه السكان فقدان أماكن للإيواء بعد دمار واسع في القطاع.
وفي السياق ذاته، أكدت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) أن نحو 69% من مباني القطاع قد دمرت أو تضررت بشكل بالغ، مما يعقد جهود الإغاثة.
وأشارت إلى أن الوكالة تواجه صعوبة في توفير المأوى للنازحين، إذ أصبح الاختيار بين تقديم الغذاء أو توفير أماكن للإقامة.
أرقام مرعبة
منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 اندلعت حرب مدمرة بين حماس وإسرائيل، مما أدى إلى مقتل عشرات الآلاف، وفقا لوزارة الصحة في غزة، حيث خلفت الحرب دمارا واسعا في البنية التحتية والموارد الحيوية، مما زاد من معاناة السكان.
14 عاما لإزالة الركام
في أكتوبر/تشرين الأول 2023، أشارت الأمم المتحدة إلى أن إزالة 42 مليون طن من الركام الذي خلفه القصف الإسرائيلي قد يستغرق سنوات طويلة، بتكلفة تُقدّر بنحو 1.2 مليار دولار.
وفي أبريل/نيسان 2024، قدرت الأمم المتحدة أن إزالة الأنقاض ستحتاج إلى 14 عاما.
69 % من منازل غزة دمرت
بحسب تقرير للأمم المتحدة، فإن إعادة بناء المنازل المدمرة في غزة قد تستمر حتى عام 2040، وقد يستغرق الأمر عدة عقود.
وفقا لبيانات الأقمار الاصطناعية للأمم المتحدة في ديسمبر/كانون الأول 2024، تم تدمير نحو ثلثي المباني في غزة، بما يعادل أكثر من 170 ألف مبنى، أي نحو 69% من إجمالي المباني في القطاع.
وتشمل هذه الأرقام أكثر من 245 ألف وحدة سكنية دُمرت بالكامل، حاليا يحتاج أكثر من 1.8 مليون شخص في غزة إلى مأوى.
أضرار في البنية التحتية
أظهرت تقارير من الأمم المتحدة والبنك الدولي أن الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية في غزة تُقدّر بنحو 18.5 مليار دولار حتى نهاية يناير/كانون الثاني 2024، وقد طال الدمار المباني السكنية، وأماكن التجارة والصناعة، بالإضافة إلى خدمات أساسية مثل التعليم والصحة والطاقة.
ويُظهر تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في يناير/كانون الثاني 2025 أن إمدادات المياه في القطاع قد تراجعت إلى أقل من ربع كميتها قبل الحرب، بينما تعرضت أكثر من 68% من شبكة الطرق في القطاع لأضرار بالغة.
تدمير أكثر من نصف الأراضي الزراعية
حسب صور الأقمار الاصطناعية التي حللتها الأمم المتحدة تدهورت أكثر من نصف الأراضي الزراعية في غزة، وهي الأراضي التي كانت تُعتبر أساسية لإطعام سكان القطاع، فقد تزايد تدمير المحاصيل والبساتين في مختلف مناطق غزة، فيما يعاني السكان تفشي الجوع على نطاق واسع بعد مرور أكثر من 15 شهرا على القصف الإسرائيلي.
وقد أفادت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة في العام الماضي أن أكثر من 15 ألف رأس من الماشية، أي ما يعادل أكثر من 95% من إجمالي الماشية، بالإضافة إلى نصف الأغنام في غزة، قد تم ذبحها أو نفقت بسبب الحرب.
تدمير المنشآت التعليمية والصحية
تُظهر البيانات الفلسطينية أن الحرب أسفرت عن تدمير أكثر من 200 منشأة حكومية، بالإضافة إلى 136 مدرسة وجامعة، و823 مسجدًا وثلاث كنائس، كما تعرض العديد من المستشفيات في القطاع للتدمير.
وفقًا لتقرير مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، لا يعمل سوى 17 وحدة من أصل 36 وحدة طبية في غزة بشكل جزئي في يناير/كانون الثاني 2025. كما سلطت منظمة العفو الدولية الضوء على الدمار الهائل الذي لحق بالحدود الشرقية للقطاع، حيث دُمرت أكثر من 90% من المباني في تلك المنطقة، بما في ذلك أكثر من 3500 مبنى، أو تعرضت لأضرار شديدة.
الأطفال في غزة
لطالما نشأ الأطفال في قطاع غزة في ظل ظروف من العنف المستمر والفقر المدقع، والآن، يواجهون تهديداً ثلاثياً يهدد حياتهم بشكل غير مسبوق، وفقا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة.
هذه التهديدات تتجسد في زيادة حالات الإصابة بالأمراض، تدهور التغذية، والحرب، مما يجعل الوضع في غزة كارثيا.
وتعرض الأطفال وأسرهم للهجوم في الأماكن التي يُفترض أن تكون آمنة لهم، مثل المنازل، مراكز الإيواء، المستشفيات، وأماكن العبادة.
ومنذ بداية الحرب، قُتل الآلاف من الأطفال وأصيب العديد بحروق شديدة أو إصابات تتطلب بتر أطرافهم.
بالإضافة إلى ذلك، يظل هؤلاء الأطفال معزولين عن الرعاية النفسية والاجتماعية، حيث كانت الحاجة إلى الدعم النفسي قبل التصعيد الأخير قد فاقت نصف مليون طفل في القطاع.
إلى جانب هذه الصعوبات النفسية، هناك زيادة كبيرة في خطر الأمراض في غزة.
فقد تعرضت مرافق المياه والصرف الصحي للتدمير أو التضرر، ما أدى إلى انخفاض شديد في القدرة على تحلية مياه الشرب. هذا النقص في المياه النظيفة والمرافق الصحية يعرض الأطفال المهجرين والأسر في القطاع لخطر الأمراض التي تنتشر بسبب ضعف النظافة، مثل الإسهال المزمن الذي يُعد أحد أسباب وفاة الأطفال في حالات الطوارئ.
كما أن انهيار خدمات الرعاية الصحية أدى إلى تدهور كبير في القدرة على علاج الأمراض، وسط نقص حاد في الإمدادات والعدد المحدود للأسِرّة.
وجاء فيروس شلل الأطفال كتهديد جديد، حيث عاد الفيروس إلى القطاع بعد 25 عاماً من غيابه. وفي مواجهة هذا التهديد تم إطلاق حملة تطعيم ضد شلل الأطفال، حيث حصل أكثر من 550 ألف طفل دون العاشرة على جرعة اللقاح الثانية.
على صعيد آخر، تفاقم خطر المجاعة في غزة بشكل غير مسبوق. حيث يُظهر تقرير صادر عن "مبادرة التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي" في عام 2024 أن أكثر من 90% من السكان يعانون انعدام الأمن الغذائي الحاد.
وبحلول نهاية ديسمبر/كانون الأول 2024 عجز أكثر من 96% من النساء والأطفال في القطاع عن تلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية، ويعيش الكثيرون على حصص غذائية ضئيلة مثل الدقيق والعدس والمعكرونة والخبز، وهو ما يعرض صحتهم لخطر كبير.
إلى جانب ذلك، أدت الحرب إلى تعطيل الخدمات الأساسية في الوقاية والعلاج من سوء التغذية، مما عرض حياة مئات الآلاف من الأطفال للخطر، ويُعد سوء التغذية أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل الأطفال أكثر عرضة للإصابة بالأمراض والعدوى الخطيرة.
aXA6IDMuMTMzLjEzNi4xMTcg جزيرة ام اند امز