الهوية وما تحملها من تقاليد وعادات وثقافات موروثة ليست في غالب مفاهيمها وَحيا نزل إلى مجتمعاتنا من السماء.
الهوية وما تحملها من تقاليد وعادات وثقافات موروثة ليست في غالب مفاهيمها وَحياً نزل إلى مجتمعاتنا من السماء، ولا يمكن أن نغيرها، خاصة إذا كشفت لنا التجارب عن أنها سبب من أسباب التخلف على كل المستويات؛ فنحن الذين نصنع الهوية، وليست هي التي تصنعنا، فالمصالح والمنافع هي التي يجب أن نتلمسها، وندور معها حيث دارت، وتُشكل بالتالي هويتنا.
أقول قولي هذا ردا على أولئك الذين يعترضون على انفتاحنا الاجتماعي، و(تطبيعنا) مع ثقافة العصر العالمية، بحجة أن هذا الانفتاح لا يتّسق مع (هويتنا)، ولا مع مفاهيم الدين الحنيف. وهذ لا يمكن قبوله على إطلاق؛ لأن هذا القول في حقيقته يعود بنا إلى مقولة (الخصوصية السعودية) التي أشغلونا بها لعقود مضت، وكانت في حقيقتها محاولة لوضع العصي في عجلات العربة فأعاقت نمونا اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، فكل محاولة للتنمية والتحديث منذ عقود كان المحافظون يعترضون، ويسعون بكل قوة لأن نبقى في مكاننا لا نبرحه بالحجة نفسها. مشكلة هؤلاء المعترضين أنهم أمة تعيش دونما ذاكرة، ولا يتعظون من تجارب من سبقوهم، فلو راجعوا احتجاجات أسلافهم، وفشلهم في كل مرة، لتعلموا، ولا تكررت منهم هذه المواقف عندما تسلك فيها الدولة مسلكا جديدا، طلبا للتنمية والتحديث، وهربا من التخلف.
هل هناك ما يمنع من أن يبتسم الإنسان، ويرفه عن نفسه، ويقضي بعض أوقاته مبتهجا؟ أما حكاية الغناء والمعازف، التي أشغلونا بحرمتها، فهذا التحريم ليس قطعيا، وغير مُجمع عليه، ليتحول الموضوع إلى أنه محل اجتهاد، يخالفه اجتهاد آخر
اليوم تغير خطاب المحافظين (المتكلسين) عما كان أسلافهم يتشبثون به في الماضي، فالتفسيرات والمعلومات لتبرير مواقفهم، ألغته (السوشيال ميديا) بمختلف أشكالها، فأصبح المواطن بإمكانه أن يصل إلى المعلومة، وبالتالي يطلع بنفسه دون وسيط على ما يريد، وهل هذا الموضوع حرام أو مباح أو مختلف عليه، من خلال محركات البحث الإلكتروني، التي تجعلك تطلع على الفكرة من جميع أبعادها، فتعرف بنفسك حقيقة هذا الموضوع، وموقف الإسلام منه؛ لذلك ضعفت أمام هذه الوسيلة المعلوماتية الحديثة سلطتهم، فلجأوا مضطرين لا مختارين لحكاية (الحفاظ على الهوية)، وقصدهم هنا العادات والتقاليد واجتهادات بعض الفقهاء الموروثة.
وتذرعهم بالهوية هي حجة أوهى من بيت العنكبوت، فكما قلت سابقاً نحن من نصنع هويتنا، وليس العكس، نستطيع أن نغيرها، خاصة إذا كانت هذه الهوية سببا من أسباب تخلفنا الاجتماعي والاقتصادي والثقافي؛ خذ مثلا اتجاه (المملكة الجديدة) للترفيه كمثال لِما يعترض عليه (المتحجرون)، فهل هناك ما يمنع من أن يبتسم الإنسان، ويرفه عن نفسه، ويقضي بعض أوقاته مبتهجا؟ أما حكاية الغناء والمعازف، التي أشغلونا بحرمتها، فهذا التحريم ليس قطعيا، وغير مُجمع عليه، ليتحول الموضوع إلى أنه محل اجتهاد، يخالفه اجتهاد آخر، ومع ذلك فإن من رأى أنه محرم، فله الحق كل الحق أن يتجنب الفعاليات الغنائية، أو تلك التي فيها معازف، ولكن (لا يجوز له) أن يفرض ما يراه على الآخر يرى الإباحة، خاصة إذا رخّصت بهذه الفعاليات السلطة الحاكمة.
ومهما يكن الأمر، فإن لنا مع (المتحجرين) منذ أن أنشأت هذه البلاد صولات وجولات، عادة ما تنتهي بهم في نهاية المطاف إلى القبول والتسليم، وبالتالي يتكون نمط من (هوية) جديدة تختلف في مضامينها عن الهوية القديمة، وهكذا دواليك.
إلى اللقاء
نقلاً عن "الجزيرة السعودية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة