روسيا التي تدخلت عسكرياً في الصراع منذ عام 2015، لتقلب موازين القوى الداخلية، لن تقبل بالهزيمة في سوريا
أيّاً كانت النتائج التي سيتمخض عنها لقاء بوتين وأردوغان في موسكو حول إدلب، وسواء تمكن الطرفان من التوصل إلى وقف لإطلاق النار والعودة لتطبيق اتفاقيات «سوتشي»، كما يرغب الرئيس التركي، أو أخفقا في ذلك، فإن حسم الصراع في إدلب بات أكثر من ضرورة لهزيمة المشروع التركي، ووأد الطموحات العدوانية والتوسعية الأردوغانية، ليس في سوريا فحسب، بل في عموم المنطقة.
قد تكون إدلب هي الكمين الذي نصبته موسكو لتكسير أضلاع أردوغان، وبعثرة جيشه، وإلحاق الهزيمة النهائية به، من دون أي ادعاء في ذلك، لأن موسكو تدرك أن مصير إدلب هو من يحدد اتجاهات الحرب والسلام، ليس في سوريا فقط، بل في عموم المنطقة.
صحيح أن لكل من موسكو، وأنقرة، حساباتها الخاصة القائمة على شبكة ضخمة من المصالح السياسية والاقتصادية المتبادلة، ولكن الحسابات الاستراتيجية مختلفة تماماً، إذ إن كلا الطرفين لن يقبل بتجرع مرارة الهزيمة، وتداعياتها المستقبلية الخطيرة. وقد يفسر هذا التعامل البرجماتي والمهادنة لكلا الطرفين في ضبط إيقاع منع نشوب الحرب، ومن ذلك مثلاً سماح روسيا بإدخال آلاف الجنود والدبابات والآليات العسكرية التركية إلى إدلب، ما كان ينبغي أصلاً السماح بإدخالها، ذلك أن نقاط المراقبة العسكرية التي تعتبر بمثابة مسمار جحا بالنسبة لأنقرة، لا تحتاج إلى إدخال نصف الجيش التركي لحمايتها، وفي المقابل سماح أنقرة للطائرات العسكرية الروسية بعبور أجوائها إلى قاعدة «حميميم»، ومرور السفن الحربية الروسية عبر مضيق البوسفور إلى البحر المتوسط.
بهذا المعنى، فإن الطرفين لا يرغبان فعلاً في محاربة بعضهما بعضاً، ولكن، ماذا يفعل الطرفان بالتطورات الميدانية التي فرضت، وستفرض معادلات جديدة للصراع؟ فالنجاحات التي حققها الجيش السوري في أرياف إدلب وحلب لا يمكن إخضاعها للمساومة عليها، أو التراجع عنها، ذلك أن الجيش السوري يدافع عن أرضه، ووطنه، في مواجهة مجموعات إرهابية تدعمها أنقرة كأدوات في مشروعها العدواني التوسعي، وتحت يافطة تفعيل اتفاق أضنة لعام 1998، وأخرى بأنه جاء تلبية لطلب الشعب السوري بالتدخل لإسقاط «النظام»، على حد تعبيرها. وفي كلتا الحالتين تمارس أنقرة التضليل من أوسع أبوابه، فالجماعات الإرهابية التي تلاحقها، هذه المرة، جماعات موالية لها، بينما تتجاهل أن الاتفاق ينص على التنسيق مع الجيش السوري، وليس محاربته، ويسمح أيضاً للجيش السوري بملاحقة الإرهابيين على الجانب التركي، ولا أحد يدري من هو الشعب السوري الذي «استجدى» أنقرة للتدخل، واحتلال أراضيه. وتذهب عنجهيتها إلى حد مطالبة القوات الروسية بالابتعاد عن طريقها، بل وفتح طريق دمشق لها لإسقاط «النظام».
أما لحظة الحقيقة التي سيدركها أردوغان، فهي أن روسيا التي تدخلت عسكرياً في الصراع منذ عام 2015، لتقلب موازين القوى الداخلية، لن تقبل بالهزيمة في سوريا، مهما كانت برجماتيتها، ومهما كانت مصالحها، وحساباتها الخاصة، لأن الحسابات الاستراتيجية الكونية أكبر بكثير من مشاريع أردوغان وطموحاته في إحياء الإمبراطورية البائدة، وقد تكون إدلب هي الكمين الذي نصبته موسكو لتكسير أضلاع أردوغان، وبعثرة جيشه، وإلحاق الهزيمة النهائية به، من دون أي ادعاء في ذلك، لأن موسكو تدرك أن مصير إدلب هو من يحدد اتجاهات الحرب والسلام، ليس في سوريا فقط، بل في عموم المنطقة.
نقلاً عن "الخليج الاماراتية "
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة