أما قطر فقد سدت أذنيها، ومضت تدبر المكائد، وتحيك المؤامرات، ليس لمصر فقط، وإنما لجيرانها وشركائها في مجلس التعاون الخليجي
يبدو أن قطر لا تصغي إلى النصائح الجيدة، والمؤكد أنها لا تستمع إلا إلى النصائح السيئة، وتسد أذنيها عما سواها. ولعل التصريحات الأخيرة المنسوبة إلى أميرها، والتي حاولت قطر عبثاً التبرؤ منها، والادعاء بأنها مزيفة ومدسوسة عليها، كانت استجابة لواحدة من هذه النصائح غير الجيدة، التي تجد هوى في نفوس قادة قطر وأصحاب القرار فيها.
قبل عشرين عاماً وجّه المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، نصيحة غالية لقطر، عندما طلب منها ألا تقارن نفسها، وهي التي لا يزيد عدد سكانها عن نزلاء فندق، كما وصفها رحمه الله، بدولة كان عدد سكانها وقتها 65 مليون نسمة، هي مصر التي يربو عدد سكانها اليوم على 90 مليون نسمة.
وكان حمد بن جاسم آل ثاني، وزير خارجية قطر وقتها، قد شن هجوماً على مصر، متهماً إياها بالتورط في محاولة انقلابية تم إحباطها عام 1996 في قطر. وقال الشيخ زايد، عليه رحمة الله، وقتها: «لا أريد لمصر بمكانتها أن تقف لتواجه مثل هؤلاء الناس.. بل ترحمهم وتعلمهم كيف يتكلمون».
وقد أصغت مصر لنصيحة حكيم العرب، عليه رحمة الله، وعملت بها منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم، رغم إساءات قطر المتكررة لها، ودعمها جماعة الإخوان المسلمين، التي فشلت في الاستيلاء على السلطة في مصر، وكشفت عن وجهها القبيح بوضوح بعد الربيع العربي المزعوم.
أما قطر فقد سدت أذنيها، ومضت تدبر المكائد، وتحيك المؤامرات، ليس لمصر فقط، وإنما لجيرانها وشركائها في مجلس التعاون الخليجي، وغيرهم من الدول العربية الأخرى، بهدف زعزعة الأمن والاستقرار فيها، وقلب الشعوب على أنظمتها، لهدف لا يعلمه إلا الله، وحكام قطر المسكونون بجنون العظمة، المدفوعون بشهوة الهدم، وخراب الأوطان، وتفريق الشعوب.
لماذا تفعل قطر ذلك؟
هذا هو السؤال الذي حير الخبراء والمحللين والدارسين للحالة القطرية الفريدة، بكل ما فيها من تناقضات صارخة، ومواقف عجيبة، لا تتفق مع العقل والمنطق، ولا الحنكة التي تسوس بها الحكومات أمورها، ولا القواعد التي تحكم علاقات الدول بالأشقاء والجيران، ناهيك عن الحلفاء الذين تربطهم مصالح مشتركة، إذا ما وضعنا جانباً أواصر الدين والدم والقربى والجوار والتاريخ المشترك، وكل القيم التي لا تقيم لها قطر وزناً، كما هو الموقف الذي نمر به اليوم مع قطر المصابة بداء العظمة.
ذهب عراب قطر الأول، حمد بن جاسم آل ثاني، بكل ما أثارته مواقفه وتصريحاته من صخب، وبكل ما كان يتصف به من دهاء جعله يتفادى الرد على تصريح الشيخ زايد، عليه رحمة الله، لرؤساء تحرير الصحف المصرية، ويصب جام غضبه على الصحافيين المصريين الذين أدلى لهم، عليه رحمة الله، بالتصريح، مطلقاً عليهم «سحرة فرعون».
متهماً إياهم بمحاولة «دق إسفين في علاقات قطر والإمارات الشقيقة» على حد تعبيره، فهل عملت قطر، منذ أن أطلق حمد بن جاسم تعليقه ذاك، على الحيلولة دون دق هذا الإسفين، أو حاولت إزالته، إذا كان قد تم دقه فعلاً، أو سعت إلى توحيد الأمة العربية؟
كل الشواهد تنفي ذلك، فقد دقت قطر أسافين كثيرة بينها وبين الدول الأخرى، وعملت على تقويض أنظمة الحكم في دول عديدة، ولم يسلم من مؤامراتها البعيد والقريب، ولا العدو والحبيب، وأصبحت وكراً لبث الفتن، وإثارة الصراعات بين أبناء الوطن الواحد، بأموالها التي تضخ المليارات منها لدعم المتطرفين والإرهابيين والطوائف والأحزاب ذات الأجندات الطائفية.
وفتحت أبوابها لإيواء قادة التطرف الهاربين من ملاحقة الأحكام الصادرة بحقهم في بلدانهم، وعلى رأسهم قادة الإخوان المسلمين المطلوبون بأحكام قضائية، وقادة القاعدة والنصرة وحماس، وأعضاء منظمات وجماعات متطرفة يضيق المجال عن حصرها.
ولم تكتف بإيوائهم وتوفير الملاذ الآمن لهم فقط، بل فتحت لهم القنوات الفضائية، ووفرت لهم المنابر الإعلامية، وهيأت لهم مراكز البحوث والدراسات، كي يقوموا من خلالها بتنظيم حملاتهم الدعائية، وأنشأت مراكز التدريب على الثورات، واستقطبت لها من يقوم بتدريب المنشقين على أساليب التمرد، وطرق إشعال الثورات في بلدانهم.
هذه ليست ادعاءات مرسلة لا يقوم عليها دليل، وإنما هي حقائق مسجلة بأصوات حكام قطر، وعلى رأسهم أميرها السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، ورئيس مجلس وزرائها ووزير خارجيتها السابق حمد بن جاسم آل ثاني، وآخرون تزخر باعترافاتهم مقاطع اليوتيوب التي من السهل الاطلاع عليها لمن أراد دليلاً أو شاهداً.
وبعد هذا كله يخرج علينا وزير خارجية قطر الحالي، محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، قبل أيام لينفي دعم بلاده لجماعة الإخوان، قائلاً في مقابلة مع قناة «سي. إن. إن» الأميركية، إنه ليس لهم علاقة مع الإخوان، في الوقت الذي توزع فيه وسائل الإعلام القطرية صوراً لأمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وهو يستقبل في قصره عرّاب الإخوان المسلمين ومفتي العمليات الانتحارية، يوسف القرضاوي، ويقبله على رأسه، فهل نصدق الأمير أم وزير خارجيته؟
واضح أن أوهام قطر العظمى قد تضخمت كثيراً. وإذا كانت البلدان التي تضررت كثيراً من تصرفات قطر قد صبرت طويلاً على تجاوزاتها، فإن الوقت قد حان لوضع حد لهذه الممارسات، ولن ينفع قطر استعانتها بإيران وتركيا وغيرهما من الدول التي ستفرض عليها وصايتها، شاءت قطر أم أبت، رغم أن وزير خارجيتها يقول إنها لن تخضع لوصاية أحد.
* نقلا عن البيان
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة