توقعات متفائلة لصندوق النقد.. نمو الشرق الأوسط يرتفع إلى 3.3% في 2025

تشير أحدث تقديرات صندوق النقد الدولي إلى تحسن أداء اقتصادات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مدعوما بتراجع اضطرابات الطاقة والشحن، وعودة النشاط الاستثماري بوتيرة أسرع من المتوقع.
وفقا لتقرير "آفاق الاقتصاد العالمي" الصادر في أكتوبر/تشرين الأول 2025، عن صندوق النقد الدولي، تشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اختلافات كبيرة في معدلات النمو بين الدول، حيث تم تعديل توقعات النمو للمنطقة إلى 3.3% عام 2025 ونحو 3.7% عام 2026، ليعزى هذا الارتفاع إلى الأداء الأفضل من المتوقع في عدد من دول مجلس التعاون الخليجي ومصر.
وفيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية، فقد رفع الصندوق توقعاته للنمو إلى 4% لعامي 2025 و2026، بعد زيادات تقدر بنحو 0.4 و0.1 نقطة مئوية على التوالي، وهو ما يعكس استمرار التعافي المدعوم بقطاعات الطاقة والاستثمار غير النفطي.
أما على المستوى الأوسع لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، فتوقع الصندوق أن يتسارع النمو من 2.6% في 2024 إلى 3.5% في 2025، ثم إلى 3.8% في 2026، مع تلاشي تدريجي لتأثيرات اضطرابات إنتاج النفط وتحديات الشحن البحري والصراعات الإقليمية المنتشرة.
وبالمقارنة مع توقعات أبريل/نيسان، فقد تم رفع تقديرات النمو لعام 2025 بمقدار 0.5 نقطة مئوية، ويُعزى ذلك إلى تطورات في دول الخليج، إضافة إلى الأداء القوي في مصر خلال النصف الأول من 2025.
لكن على الرغم من هذه المكاسب، تواجه التوقعات مقاومات، فالدول في المنطقة تأثرت بصورة أقل مما كان متوقعا بنظام التعريفات الجمركية الأمريكي الجديد، لكن التوقعات المجمعة لعامي 2025 و2026 انخفضت بنحو 0.8 نقطة مئوية بسبب التأثير السلبي لتراجع الطلب العالمي على السلع الأساسية.
في ظل هذا السياق، جاءت معدلات النمو في دول الشرق الأوسط كما يلي، الإمارات 4.8%، ومصر 4.3% والسعودية 4% والمغرب 4.4% والجزائر 3.4%، وقطر 2.9%، والكويت 2.6%، وعُمان 2.9%، والبحرين 2.9%، فيما تشهد إيران والعراق معدلات أقل (0.6% و0.5% على التوالي)، والسودان 3.2%، وموريتانيا 4%، وتونس 2.5%، والأردن 2.7%، وباكستان 2.7%.
على الصعيد العالمي، رفع صندوق النقد توقعات النمو العالمي إلى 3.2% لعام 2025، مقارنة بـ3% في التوقعات السابقة، مع تثبيت توقعات العام المقبل عند 3.1%، في حين من المتوقع أن تحقق الاقتصادات النامية نموًّا بنسبة 4.2%.
في أبريل/نيسان، صدمت الأسواق بإعلان الولايات المتحدة عن فرض تعريفات جمركية شاملة، مما أثار القلق بشأن عواقبها على التجارة العالمية. وبعد ستة أشهر، بدا أن التأثير المباشر على النمو العالمي كان محدودًا، إذ تفاوضت واشنطن على اتفاقيات تجارية وقدّمت إعفاءات، في حين قاومت معظم الدول إجراءات انتقامية، وعاد القطاع الخاص إلى إعادة توجيه سلاسل التوريد بمرونة.
وبالرغم من أن تأثير الرسوم الجمركية كان أقل حدة مما كان يُتوقع مسبقًا، إلا أن هذا لا يعني أن الصدمة التجارية لم تؤثر عمليًا على النمو العالمي. فمعدلات التعريفات الفعلية ما زالت مرتفعة في الولايات المتحدة، والسياسات التجارية المتقلبة تثير مخاطر إضافية على الاستثمار والتجارة الدولية.
كما أن السياسات الأخرى للمستوى النقدي والهجرة والطلب الكلي تلعب دورًا في توازن التضخم والنمو. في الولايات المتحدة، مثلاً، تُعدُّ سياسة التخفيض في الهجرة عاملاً يُقلل من المعروض العملّي، مما يُمثّل صدمة إضافية عرضية. ومع ذلك، دعمت الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي والنمو القائم على التكنولوجيا بعض النشاط الاقتصادي، فيما أدّت التحديات في العرض إلى ضغوط اقتصادية خاصة في الدول التي تعاني من هشاشة هيكلية.
على صعيد الاقتصادات المتضررة من الرسوم الجمركية، نجح بعضها في التكيّف من خلال خفض التكاليف، الاستفادة من دعم مالي، إعادة توجيه التجارة، وتفعيل سياسات نقدية ميسَّرة. ومع ذلك، فإن الصدمة الجمركية تضعف أطر النمو في اقتصادات كانت بالفعل تعاني من ضغوط.
عمومًا، في ظل استقرار نسبي في النصف الأول من العام، لا تزال التوقعات محفوفة بالمخاطر، والتي تنحصر بصورة رئيسية في احتمال تشديد الرسوم الجمركية، تجدد النزاعات التجارية، اضطرابات في سلاسل الإمداد، وارتفاع معدلات الفائدة. تشير بعض التقديرات إلى أن مثل هذه المخاطر قد تؤدي إلى خفض الناتج العالمي بنسبة تصل إلى 0.3% العام المقبل.
وقد أبرزت التقارير أن هناك أربعة مخاطر رئيسية تكمن في الأفق:
- هل تفوّق الذكاء الاصطناعي من وعد استثماري إلى فقاعة فتضيّع المكاسب؟
- الأزمات الهيكلية في الاقتصاد الصيني وتأثيرها على الطلب العالمي.
- التضييق المالي والديون المتصاعدة التي تواجهها الحكومات، لا سيما في الدول الأشد ضعفًا.
- تآكل مصداقية المؤسسات، ولا سيما البنوك المركزية التي قد تتعرض لضغوط سياسية لتخفيف سياساتها، مما يزيد من مخاطر التضخم وعدم الاستقرار.
رغم هذه المخاطر، تتيح السياسات المدروسة فرصة لتعزيز النمو: تخفيف حالة عدم اليقين التجاري، إعادة توجيه التعريفات الجمركية نحو مستويات أقل، دعم الابتكار والتكنولوجيا، وتحفيز الاستثمار في البنية التحتية والتعليم والحوكمة. عند الدمج بين هذه السياسات وتصميمها بوضوح ومصداقية، يمكن أن ترفع الناتج العالمي نحو 1% إضافية في المدى القريب.
في السياق الإقليمي، يظل دور القطاع الخاص محوريًّا. فحسب تقرير البنك الدولي، فإن تحفيز المنافسة، تحسين بيئة الأعمال، وتمكين المرأة في سوق العمل تشكّل عناصر محورية لتعزيز النمو الحقيقي في منطقة MENA، خصوصًا أن العديد من الدول ما تزال تعاني من ضعف في ديناميكية القطاع الخاص.
وعند الجمع بين الاستقرار الاقتصادي على المدى القصير والاستثمار في الإمكانات البشرية والتكنولوجية والبنية التحتية، يمكن لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن تتجاوز مصاعب الفترة الحالية وتُمهّد طريقًا نحو نمو مستدام ومتوازِن.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjE3IA== جزيرة ام اند امز