عودة «شبح الثلاثينيات».. دورة جديدة من القلق تسيطر على اقتصاد العالم

أظهر الاقتصاد العالمي حتى الآن صمودا ملحوظا رغم الموجة الأكبر من الرسوم الجمركية الأمريكية منذ ثلاثينيات القرن الماضي.
وبحسب تحليل نشرته وكالة بلومبرغ، فقد حافظ المستهلكون الأمريكيون على وتيرة الإنفاق، فيما امتصت الشركات جزءا كبيرا من التكاليف، كما عززت طفرة الذكاء الاصطناعي من حالة التفاؤل الاستثماري.
غير أن هذا الاستقرار المؤقت بات مهددا، مع تلويح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم إضافية على الواردات الصينية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، ردا على قيود بكين على تصدير المعادن النادرة.
ومن المتوقع أن تكون هذه التطورات المتسارعة محورا رئيسيا في اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي هذا الأسبوع في واشنطن، حيث تتصدر جدول الأعمال ملفات التوترات التجارية، وخطة دعم الاقتصاد الأرجنتيني، ومسألة الأصول الروسية المجمدة. ويواكب ذلك أزمات سياسية متصاعدة في دول مثل فرنسا واليابان، ما يعكس مناخا عالميا متوترا ومشحونا بالضبابية.
وقبل أشهر، أثار إعلان ترامب عن "يوم التحرير التجاري" قلق الأسواق العالمية من احتمالات ركود واسع. إلا أن المفاجآت جاءت إيجابية نسبيا، خصوصا في الولايات المتحدة التي حققت نموا قويا في الربع الثاني، وقفز مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 32%، مدعوما باستثمارات ضخمة في الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات.
مع ذلك، يرى خبراء أن قدرة الشركات على مقاومة آثار الرسوم الجمركية مؤقتة، إذ لجأت إلى زيادة المخزونات وتقليص هوامش الأرباح، وهي استراتيجيات يصعب الاستمرار بها طويلا.
وحذرت كارين دينان، أستاذة الاقتصاد في جامعة هارفارد، من أن "التباطؤ قادم لا محالة". وتشير توقعات بلومبرغ إيكونوميكس إلى تراجع النمو العالمي من 3.2% في عام 2025 إلى 2.9% في عام 2026، في حين تتوقع منظمة التجارة العالمية أن يتباطأ نمو التجارة إلى 0.5% فقط.
ويمثل تضخم الديون العالمية تهديدا إضافيا، إذ قفزت بأكثر من 21 تريليون دولار خلال النصف الأول من عام 2025، لتصل إلى 338 تريليون دولار، وهو مستوى قياسي يعادل ما شهدته فترة جائحة كورونا. ويواجه الاقتصاد الأمريكي تباطؤا في خلق الوظائف وانكماشًا مستمرًا في قطاع التصنيع، بينما تعاني المصانع الصينية والألمانية من ضعف الطلب العالمي وتراجع الصادرات.
وفي الوقت نفسه، تتابع الأسواق عن كثب قطاع التكنولوجيا وسط تحذيرات من احتمال نشوء فقاعة ذكاء اصطناعي تشبه فقاعة الإنترنت في أواخر التسعينيات.
وحذرت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغيفا من أن "أي تصحيح مفاجئ في تقييمات شركات الذكاء الاصطناعي قد يسبب ضغوطا مالية عالمية"، مشيرة إلى أن المبالغة في التقييمات قد تخفي اختلالات أعمق في الأسواق.
وتشير تقديرات أوكسفورد إيكونوميكس إلى أن تباطؤ قطاع الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة قد يؤدي إلى ركود اقتصادي ويخفض النمو العالمي إلى 2% في عام 2026 بدلا من 2.5% المتوقعة.
وفي المحصلة، يواجه الاقتصاد العالمي ثلاثية معقدة من التهديدات: تصعيد جمركي يعطل التجارة، وديون متراكمة تضعف المرونة المالية، وفقاعة تكنولوجية محتملة تهدد استقرار الأسواق.
وبينما كان الصمود هو السمة الأبرز في الأشهر الماضية، فإن الفترة المقبلة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كان الاقتصاد العالمي سينجو من هذه العاصفة الاقتصادية المركبة أم سيسقط في دوامة تباطؤ جديدة.