المناعة بعد الإصابة.. لغز كورونا الأكبر بين أيدي العلماء
بينما يصارع العالم فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) يبقى أحد الأسئلة الملحة دون إجابة حاسمة: هل يشكل المتعافون مناعة وقائية أم لا؟
فأحد المؤشرات الرئيسية للمناعة هو وجود أجسام مضادة خاصة بالفيروس، وقدمت الكثير من الدراسات روايات متضاربة حول ما إذا كان الأشخاص الذين تعافوا من العدوى يحملون الأجسام المضادة التي تمنعهم من الإصابة مجددا أم لا.
وأثيرت هذه القضية منذ شهور، عندما ذهبت منظمة الصحة العالمية في البداية إلى أنه لا يوجد دليل على أن المتعافين من المرض يكتسبون مناعة من المرض، ثم غيرت رأيها، في بيان، نشرته يوم 25 إبريل الماضي، وقالت فيه "نتوقع أن معظم الأشخاص المصابين بفيروس كورونا تتكون لديهم استجابة للأجسام المضادة توفر مستوى من الحماية"، لكن المنظمة أردفت قائلة "ما لا نعرفه حتى الآن ما هو مستوى الحماية أو الفترة التي تستمر فيها المناعة".
ومنذ صدور هذا البيان من المنظمة تأتي الدراسات بنتائج متضاربة، فهناك دراسات ذهبت إلى أنهم يشكلون مناعة، وحدث اختلاف آخر حول المدة التي تستمر خلالها هذه المناعة، بينما ذهب آخرون إلى وجود احتمالية لعدم تشكل مناعة في الأساس، استنادا لحالة مريض أمريكي عاودته الإصابة مره أخرى بعد الشفاء بنحو أسبوعين.
ووفق ما جاء بدورية "ذا لانسيت" الطبية عن هذه الحالة في 11 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، اشتكى المريض في 25 مارس/ آذار الماضي من أعراض التهاب الحلق والسعال والصداع والغثيان والإسهال، ثم أجريت له في 18 إبريل/ نيسان اختبارات للفيروس جاءت نتيجتها إيجابية لأول مرة، لتختفي الأعراض تماما بعد 9 أيام من ظهور نتيجة الاختبار.
وعاودته الإصابة بالفيروس مجددا في 28 مايو/ أيار، وشملت الأعراض هذه المرة الحمى والصداع والدوخة والسعال والغثيان والإسهال.
وجاءت نتيجة الاختبار إيجابية للمرة الثانية في 5 يونيو/ حزيران مع معاناة من نقص الأكسجين في الدم وضيق في التنفس، وهو ما استدعى علاجه في غرفة العناية المركزة بالمستشفى.
ورغم إشارة الدورية إلى أن هذه الحالة من عودة الإصابة مجددا تظل نادرة، حيث لا توجد سوى أمثلة قليلة من بين ملايين المصابين حول العالم، إلا أنها أثارت حالة من القلق، زادت مع دراسة أمريكية نشرتها دورية "سيل" في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني، حيث كشفت عن وجود فروق فردية بين الأشخاص لا تزال أسبابها غير مفهومة.
فروق فردية
وفحصت دراسة جديدة بقيادة باحثين من مستشفى بريجهام للنساء في الولايات المتحدة الأمريكية عينات الدم والخلايا من المرضى الذين تعافوا من "كوفيد–19" الخفيف إلى المعتدل، ووجدوا أنه بينما انخفضت الأجسام المضادة ضد الفيروس لدى معظم الأفراد بعد الشفاء من المرض، كان لدى مجموعة منهم استجابة مناعية أكثر فعالية واستمرارية للفيروس.
وخلال الدراسة قام الفريق البحثي بتجنيد وتسجيل 92 شخصًا في منطقة بوسطن تعافوا من فيروس كورونا بين مارس ويونيو 2020، وتم نقل 5 منهم إلى المستشفى، بينما تعافى الآخرون في المنزل.
وقام الفريق بجمع وتحليل عينات الدم شهريًا، وقياس مجموعة من الأجسام المضادة، بما في ذلك الجلوبولين المناعي (IgG) ضد فيروس كورونا.
وقاموا بتقسيم الأشخاص إلى مجموعتين: تلك التي تحافظ على مستويات الجلوبولين المناعي الخاصة بالفيروس على مدى عدة أسابيع، وتلك التي تفقدها.
وقام الفريق بتحليل هذه المجموعات والصلات المحتملة لديهم مع البيانات السريرية وغيرها من البيانات المناعية.
ووجد الفريق البحثي أن مستويات الجلوبولين المناعي ضد الفيروس تميل إلى الانخفاض بشكل كبير في معظم الأفراد على مدار 3 إلى 4 أشهر.
ومع ذلك، في حوالي 20% من الأفراد، ظل إنتاج الأجسام المضادة مستقرًا أو محسنًا خلال نفس الفترة الزمنية.
ووجد الفريق أن هذه المجموعة المميزة مناعيا، كان لديهم أعراض مرضية لفترة زمنية أقصر بكثير مقارنة بالآخرين الذين استمرت أعراضهم لفترات أطول (متوسط 10 أيام مقابل 16 يومًا).
ووجد الباحثون أيضًا اختلافات في مجموعات خلايا الذاكرة التائية والخلايا البائية، وهما نوعان من الخلايا المناعية التي يمكن أن تلعب دورًا رئيسيًا في الذاكرة المناعية والحماية.
أسئلة هامة
ويقول دوان ويسمان، أخصائي مناعة بمستشفى بريجهام والباحث الرئيسي بالدراسة في تقرير نشره الموقع الإلكتروني للجامعة بالتزامن مع نشر الدراسة: "تشير البيانات إلى نوع من الاستجابة المناعية التي لا تكون بارعة فقط في التعامل مع المرض الفيروسي من خلال التسبب في حل سريع للأعراض، لكن أيضًا أفضل في إنتاج الخلايا التي يمكن أن تلتزم بإنتاج أجسام مضادة للفيروسات (الجلوبولين المناعي) على المدى الطويل".
ويضيف: "معرفة كيف يتمكن هؤلاء الأفراد من دعم إنتاج الأجسام المضادة على المدى الطويل أمر وثيق الصلة بكورونا، وسيكون له أيضًا آثار مهمة على فهمنا لجهاز المناعة بشكل عام".
ما يود دويسمان معرفته يرى الدكتور محمد أحمد، أستاذ الفيروسات بالمركز القومي للبحوث بمصر، أنه أحد الأسئلة المهمة التي ينبغي الحصول على إجابة قاطعة حولها.
ويقول أحمد لـ"العين الإخبارية": "الإجابة ينبغي أن توضح أسباب الفروق الفردية بين الأفراد، كما يجب معرفة أيضا ما هو الكم المناسب من الأجسام المضادة التي يمكن القول عندها إن انسانا ما محمي من الإصابة بالفيروس".
وبينما يرى أحمد أن حالات الإصابة الثانية بالفيروس غير مقلقة كونها نادرة بين ملايين المصابين حول العالم، لكن معرفة الكم المناسب من الأجسام المضادة الذي يحمي من الإصابة يظل ذو أهمية كبيرة بالنسبة لمشروعات انتاج اللقاحات.
الذاكرة المناعية
وعلى عكس هذا الرأي، أبدى الكاتب المتخصص في الشؤون الصحية، سام فازيلي، استغرابه من الانشغال بقصص الأجسام المضادة لفيروس "كورونا"، واصفا إياها في مقال نشرته مؤخرا شبكة بولمبرج بأنها لا تستحق العناء.
وقال فازيلي إن الجسم بمجرد تخلصه من العدوى الفيروسية، لا تكون هناك حاجة إلى الاستمرار في إنتاج المزيد من الأجسام المضادة بمستويات مرتفعة، ولذك ينخفض وجود الأجسام المضادة مع مرور الوقت، بل إنه أشار إلى أن مواصلة انتاج الأجسام المضادة غير مستحب،.
وقال: "إذا ما واصل الجسد إنتاج كميات كبيرة ومستمرة من الأجسام المضادة بغية الاستجابة لكل آلاف مسببات الأمراض التي يواجهها، فسوف ينتهي الأمر بالدمار، حيث سيكون الجسم حينها مفعما للغاية بالأجسام المضادة غير الضرورية".
وأضاف أن ما يجب أن يشغلنا هو ما إذا كانت العدوى تقوم بتكوين الذاكرة المناعية الدفاعية الجيدة، بحيث إذا ما ظهرت نفس العدوى في مرة تالية يمكن للجسد التحرك والاستجابة بسرعة أكبر من المرة السابقة والحيلولة دون الإصابة بالمرض.
ما أشار إليه فازيلي هو الذراع الثاني للمناعة، حيث توجد ذراعان للمناعة، وهما الأجسام المضادة والذاكرة المناعية، وتختلف مشروعات اللقاحات الحالية للفيروس في قدرتها على تحفيز ذراعي المناعة.
ويقول أحمد سالمان، مدرس علم المناعة وتطوير اللقاحات في معهد "إدوارد جينر" وعضو فريق تطوير لقاح جامعة أكسفورد: "في مشروعات إنتاج اللقاحات يتم قياس كمية الأجسام المضادة باستمرار بعد إعطاء اللقاح للمتطوعين، لكن معرفة الذاكرة المناعية يتطلب تعرض المتطوع للفيروس، لمعرفة هل ستكون لدية ذاكرة مناعية أم لا".
ويضيف في تصريحات لـ"العين الإخبارية": "حتى الآن فإن التجارب التي تجري على لقاح جامعة أكسفورد تشير إلى كفاءته في تحقيق الأمرين".