عمليات الاغتيال وبهذه الطريقة ليست عمليات يمكن فهمها بدقة أو حتى استنتاج فاعلها، كونها عمليات معقدة ومخططة بطرق يصعب فك رموزها.
هي ضربة قاضية لإيران تلك التي أودت بحياة قائد مشروعها النووي محسن زاده، وخاصة أنها تأتي في مرحلة زمنية قريبة جداً من فقد النظام الإيراني لقائد فيلق القدس قاسم سليماني، وكما هو معروف فإن محسن زاده وسليماني كانا يعملان كقادة في الحرس الثوري، أحدهما قائد ميداني والآخر مسؤول عن ملف إيران النووي، وهذا يمنحنا إشارة بأن مرحلة تقليم حادة تطال النظام الإيراني وتتخلص من أذرعته المهمة على شكل اغتيالات متتابعة.
ليس هناك من شك أن رسائل الاغتيالات التي شهدتها إيران لم تكن عفوية بغض النظر عمن يرسل هذه الرسائل والتي تفتح الأبواب أمام تحليلات وسيناريوهات متفاوتة، ولعل أحد هذه السيناريوهات التي يتبناها النظام الإيراني تعتمد على اتهام إسرائيل بأنها تقف خلف كم من الاغتيالات التي حدثت في إيران، ولكن هذه الحقيقة ناقصة حتى وإن كانت صادرة على لسان وزير الخارجية الإيراني الذي قالها صراحة بأن إسرائيل هي من يقف خلف اغتيال محسن زاده.
قد يبدو هذا منطقياً عطفا على مصالح إسرائيل، ولكنه لايمكن أن يكون حقيقة، فالنظام الإيراني معروف بقدراته على المراوغة وهذا ما يطرح سؤالاً مهما حول هذه العملية، فهل تخلص النظام من أحد أهم رموزه استعدادا لدخول مرحلة جديدة مع رئيس أمريكي جديد، النظام الإيراني لابد وأنه يعرف ويدرك الشيء الكثير عن بايدن وعن فريق عمله، فهل عمد النظام الإيراني على تسهيل التخلص من محسن زاده، أم هل تخلص منه النظام نفسه..؟، كل هذه الأسئلة مشروع طرحها مع غيرها من الأسئلة الخاصة بتشكَل قوى معارضة داخل إيران تتبلور ممارساتها حول الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها إيران وما تسببت به من ظهور القوى المعارضة واستعادة نشاطها على الأرض وخاصة منظمة مجاهدي خلق.
عمليات الاغتيال وبهذه الطريقة ليست عمليات يمكن فهمها بدقة أو حتى استنتاج فاعلها كونها عمليات معقدة ومخططة بطرق يصعب فك رموزها، وهذا ما تفهمه إيران بدقة، وخاصة أنها واجهت الكثير من عمليات الاغتيال المماثلة، لذلك فإن النظام الإيراني أمام مسارين لا ثالث لهما وخاصة في ظل فقدانه الكبير لقيادات ذات مكانة عاليه في زوايا النظام نفسه، المسار الأول مرتبط بتمكن النظام الإيراني من فهم تلك الرسائل بطريقة عقلانية تؤدي به إلى إعادة مراجعة السياسة الإيرانية في المنطقة وترتيب القضايا والأوليات والكف عن المشروع التوسعي وتصدير الثورة والعمل على بناء علاقات صداقة مع محيطها الجغرافي القريب والدولي البعيد.
المسار الثاني ويرتبط بالكيفية التي سوف يرد بها النظام على مثل هذه الرسائل وخاصة من خلال منهجية الوعيد التي يرددها النظام الإيراني بالانتقام وتوزيع الاتهامات على دول المنطقة بما فيها إسرائيل، وبهذا المنهج سوف تثبت إيران أنها عنصر سلبي في المنظومة الإقليمة والدولية مما يعني مباركة العالم لكل عمل يؤدي إلى إيقاف هذا النظام وخاصة عندما تتحدث إيران عن رغبتها في امتلاك سلاح نووي ورغبتها في التدخل المباشر في شؤون جيرانها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة