إيران مستعدة للتراجع عن كل ما قامت به في ما يخص برنامجها النووي، مقابل رفع العقوبات عنها.
وجود قنبلة نووية أو وجود برنامج سري لتطويرها، يؤدي الغرض نفسه، بالنسبة لإيران، من ناحية المفاوضات. إيران تنكر أنها تملك برنامجا لبناء قنبلة نووية، إلا أن الأدلة التي تثبت وجوده كثيرة.
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقول إن إيران قامت بتركيب أول سلسلة من أجهزة الطرد المركزي المتطورة في محطة تخصيب اليورانيوم تحت الأرض في نطنز. وأن مخزونها من اليورانيوم تجاوز 12 مرة الحد المسموح به. وبرغم أن المعلن من مستويات التخصيب هو أنها تصل إلى حد 4.5%، وهو يتجاوز الحد الذي أقره الاتفاق النووي لعام 2015، البالغ 3.5%، إلا أن المخاوف تشير إلى أن استخدام أجهزة التخصيب الحديثة من طراز IR-2M يؤهل إيران لرفع هذا المستوى إلى أكثر من 20% خلال أقل من سنة. أهم من هذا كله هو أن هناك أنشطة نووية تجري في مواقع غير معروفة بالنسبة للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
المدير العام للوكالة رافايل غروسي قال في تقرير إلى الأمم المتحدة في مارس الماضي إن مفتشي الوكالة عثروا على أثر لليورانيوم في مواقع غير مسجلة، "وهذا يعني أن هناك إمكانية لأنشطة ومواد نووية لا تخضع للمراقبة الدولية ولا نعرف مصدرها أو مصيرها".
إيران تنكر هذه الدلائل، ولكن ما لا يستطيع أحد نكرانه هو أنها:
1ـ تعيش تحت وطأة المخاوف من تعرضها لضربات عسكرية.
2ـ ما تملكه من أسلحة لا يرقى حتى إلى مستوى الخردة قياسا بالأسلحة الحديثة.
3ـ رهاناتها على القوات البرية والمشاة، ثبت أنها رهانات فاشلة، منذ الحرب ضد العراق في ثمانينات القرن الماضي.
4ـ اقتصادها أضعف من أن يتحمل تكاليف حرب.
5ـ نظامها معزول داخليا، ما يعني أن أي هجوم عسكري واسع النطاق، سوف يدفع إلى انهيار النظام.
6ـ مليشياتها في الخارج أصبحت عبئا، بعد أن نضب عليها ضرع الفساد.
7ـ استمرار العقوبات عامين إضافيين سوف يدفعها إلى هاوية الإفلاس. فاحتياطاتها لا تتجاوز 80 مليار دولار، وهي لا تكفي لتسيير شؤون الميزانية في هذين العامين.
في المقابل، فإن بناء برنامج لإنتاج قنبلة نووية، خيار رخيص نسبيا. ومستلزماته متوفرة. وتريد إيران أن تجعل من وجوده كبرنامج سري، هدفا للمقايضة.
الرئيس الإيراني حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، رددا أكثر من مرة، أن كل ما طرأ من تغيير في التزامات إيران قابل للعودة عنه. وهي إشارة إلى أن إيران مستعدة للتراجع عن كل ما قامت به في ما يخص برنامجها النووي، مقابل رفع العقوبات عنها.
هذا يعني على وجه الحصر: واحد مقابل واحد، ولا شيء أكثر. أي أن يتم التخلي عن البرنامج ويتم رفع العقوبات، ويبقى كل شيء آخر على حاله، سواء من ناحية برنامجها الصاروخي، أو من ناحية سياساتها العدوانية في المنطقة ودعمها للمليشيات وبقاء مشروعها الطائفي كأداة لمواصلة ماتسميه "تصدير الثورة".
هذه المقايضة تواجه ثلاث معضلات كبيرة:
الأولى، هي أن وجود برنامج سري لتطوير سلاح نووي، يعني وجود أساس معرفي له. وهذا ما لا يمكن استئصاله.
والثانية، هي أن نظاما وجد نفسه يكذب، ثم يكذب، ثم يزيد كذبا برغم كل محاولات الرقابة الدولية، لم يعد من الممكن الثقة به.
والثالثة، هي أن السياسات العدوانية للنظام الإيراني لن تتوقف، بل أنها لا يمكن أن تتوقف، لأنها جزء من طبيعته. فـ"تصدير الثورة" جزء من دستوره أصلا. وتصدير الثورة يعني بالحرف الواحد: تصدير الإرهاب وتحويل المشروع الطائفي إلى حروب أهلية في الجوار ورعاية مليشيات تتولى تخريب المجتمعات والدول.
هذا النظام وضع نفسه في زاوية لا مخرج منها، كما وضع كل دول العالم في زاوية لا مخرج منها أيضا. وهي أنه إما أن يواصل جرائمه وتهديداته، وإما أن يتم استئصاله. لا يوجد خيار ثالث.
السماح لإيران بأن تستأنف كل أوجه سياساتها الأخرى، مقابل التخلي عن جزء منها، يعني بقاء التهديد مسلطا على كل دول المنطقة والعالم. إنه يعني القبول بسياسات الابتزاز، كما يعني القبول باستئناف برنامج نووي سري آخر.
نظام الولي الفقيه لا يستطيع أن يتخلى عن دعم مليشياته ومنظمات الإرهاب التابعة له. وهذا يعني بالنسبة له أنه سوف يظل عرضة للمخاوف من عقوبات جديدة، أو من ضغوط تُشعره بالحاجة إلى الأمان. والأمان الوحيد بالنسبة له هو امتلاك قنبلة نووية. وهذا ما يجعل منه شرا دائما. واستئصاله هو الخيار الوحيد في المقابل، وكلما كان ذلك أسرع، كلما كان الضرر أقل. لا يوجد خيار ثالث.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة