المتتبع لسياق ردود الفعل الرسمية للنظام الإيراني بعيد اغتيال زاده يجد تخبطاً ملحوظاً.
إن مقتل محسن فخري زاده وفي هذا التوقيت الحرج لطهران، خلط جميع الأوراق في الإقليم بل والعالم، سيما وأن الجميع يعيش أجواء المرحلة الانتقالية المثيرة للجدل في واشنطن، بين إدارة الرئيس ترامب، وفريق الرئيس المنتخب جو بايدن، الذي يستعد لتسلم مفاتيح البيت الأبيض بداية العام المقبل.
ومع أن صناع القرار الإيراني المقربين من خامنئي كانوا يمنون أنفسهم بمرحلة جديدة من الهدوء مع واشنطن في ظل ولاية رئاسية جديدة للحزب الديمقراطي بزعامة بايدن، بحيث يُنظر إلى تلك الولاية من قبل المحافظين كما الإصلاحيين الإيرانيين على أنها امتداد لحقبة الرئيس السابق باراك أوباما، الذي منح أركان إيران اتفاقا نووياً لم تكن تحلم به.
والمعلومات الموثقة التي أوردتها الصحافة الغربية خلال الأيام الماضية عن زيارة إسماعيل قاآني زعيم فيلق القدس إلى بغداد، وطلبه المباشر من المليشيات الولائية العراقية إيقاف أي عمليات مستفزة للجانب الأمريكي، وضبط النفس بشكل مطلق، خوفاً من أي ردة فعل مدمرة ربما تقدم عليها إدارة ترامب ضد إيران، خير دليل على تلك الاستراتيجية الإيرانية الآنية.
ومع أن المتتبع لسياق ردود الفعل الرسمية للنظام الإيراني بعيد اغتيال زاده يجد تخبطاً ملحوظاً، توزع هذا التخبط بين ترديد عبارات الرد في الزمان والمكان المناسبين، وتوجيه اللوم حيناً لحكومة الرئيس حسن روحاني نتيجة ضعف إمكانياتها الاستخباراتية، فضلاً عن أن الفريق الذي نفذ العملية، غادر مسرح التنفيذ دون إلقاء القبض عليه، أو حتى التعرف على الوجهة التي سلكها الفريق أو الاتجاه الذي سارت عرباته، إلا أن المشهد برمته قد يعكس مدى اختراق عناصر الموساد الإسرائيلي لعموم المحافظات الإيرانية، والكلام منقول وعلى ذمة تصريح لمستشار المرشد الإيراني نفسه.
والمأزق الذي يحيط بإيران في هذه الفترة العصيبة، يرتكز في جوانب رئيسية منه على الهامش الممنوح لإسرائيل في تنفيذ ماتريده ضد إيران ومليشياتها في سوريا والعراق ولبنان، وحتى روسيا التي تسيطر على أغلب الأجواء السورية لا تبدي أي انزعاج من قصف سلاح الجو الإسرائيلي المستمر لمعسكرات إيرانية داخل الأراضي السورية، بل تعلن صحف مقربة من الكرملين دوماً بين بأن الأمر كله قيد التنسيق المحكم بين موسكو وتل أبيب، سواء كان المتواجدون في تلك المعسكرات من عناصر الحرس الثوري أو ينتمون لميليشيا حزب الله اللبنانية.
وأن يأتي الاغتيال قبيل نهاية عام ٢٠٢٠، الذي شهد مطلعه عملية تصفية الجيش الأمريكي عبر طائرة مسيرة قرب مطار بغداد الدولي لقاسم سليماني، فإن الخسارة الإيرانية مضاعفة وعصية حتى على التفكير بالرد، فطهران وخلال عام واحد خسرت سليماني الموصوف بالأب الروحي للمليشيات، وهاهي تخسر مجدداً محسن زاده الأب الروحي للبرنامج النووي .
ومن الخطأ أن تقدم إيران على ضرب العمق الإسرائيلي أو استهداف المصالح الإسرائيلية في أي بلد بالعالم، لأن هذا الأمر إن حصل سينسف كل جهود حمائم الديمقراطيين في الكونغرس بما يخص إيران، وسيجبر الإدارة الأمريكية الحالية والقادمة على إنزال أشد العقوبات بحق طهران، والعقوبات هنا لن تكون اقتصادية بقدر ما ستكون ضربات عسكرية ضخمة وغير مسبوقة داخل إيران، وهو الشيء الذي يهدد باندلاع حرب مفتوحة في المنطقة.
وفيما يرجح الكثير من المطلعين على المشهد المحتدم، اتخاذ النظام الإيراني خيار وضع الملح على الجرح، والتوقف عند حد الخطابات العنترية فقط، وترك حادثة الاغتيال دون رد حقيقي، فإن هذا الترجيح لذلك الخيار هو الأكثر واقعية في ظل معرفة إيران الكاملة لسيناريو المباشرة بأي حماقة لا تحمد عقباها .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة