على الفلسطينيين ترتيب بيتهم الداخلي أولًا، وتقديم مراجعة داخلية صادقة على أسس وطنية وليست حزبية، وإعادة الشرعية لمؤسساتهم.
مع إعادة السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس "العلاقة الكاملة" مع إسرائيل، واستئناف التنسيق الأمني كما ورد على لسان حسين شحادة محمد الشيخ رئيس الهيئة العامة للشؤون المدنية التابعة للسلطة الفلسطينية، حيث ذكر أنه "على ضوء الاتصالات التي قام بها الرئيس بشأن التزام إسرائيل بالاتفاقيات الموقعة، واستنادًا إلى ما ورد من رسائل رسمية مكتوبة وشفوية بما يؤكد التزام إسرائيل بذلك، وعليه سيعود مسار العلاقة مع إسرائيل كما كان"، هذه الإعادة أتت بعد أشهر طويلة من الحديث عن قطع تلك العلاقات بحجة الاستيطان، وكأنها بذلك تبحث عن طوق نجاة سريع يرمم وضعها المتهالك .
هذا التوجه الجديد من عباس يأتي ضمن تصوير محور الشر في المنطقة وظنهم بأن يكون الرئيس الديمقراطي المنتخب جو بايدن نافذة الحل، وأنه سيعيد القضية الفلسطينية إلى الأضواء مجددا، وسيعيد الحقوق والدعم المالي للسلطة؛ من أجل إعادتها للمفاوضات مع إسرائيل، وهي لعبة مكشوفة تعد امتدادًا للأساليب الملتوية للمتاجرة بالقضية، وخلط الأوراق في لعبة مقامرة ودسّ جرعة سم جديدة تدل على رغبة عالية للتلاعب بمشاعر الفلسطينيين، لأن أبعد ما يمكن أن يقوم به بايدن هو الجمع بين الطرفين على طاولة المفاوضات، ومحاولة الضغط على بنيامين نتانياهو لتقديم تنازلات هامشية وهزلية .
أعتقد جازما بأنه لا ينبغى للفلسطينيين الاعتماد على جو بايدن أو أمريكا والدعم الذي يطلق العنان لأي مكون دولي في الحل السياسي لأن على الفلسطينيين ترتيب بيتهم الداخلي أولًا، وتقديم مراجعة داخلية صادقة على أسس وطنية وليست حزبية، وإعادة الشرعية لمؤسساتهم والتخلص من الانقسامات الداخلية، وتشكيل حكومة من شخصيات موثوق بها تستطيع أن تسوّق نفسها في المجتمع الدولي، واستعادة الوسائل التي يستطيعون بها الضغط على الرأي العام العالمي بدلا من تبادل الهجوم وعمليات الإقصاء، واتهام الداعمين والمساندين الحقيقيين للقضية تهمة بيع وخيانة القضية .
على الفلسطينيين أن يدركوا أن الانتصار في معركتهم ينبغي أن يسبقه انتصار داخلي بتغليب الوطن على المصالح الشخصية والأيديلوجية، و إعادة النظر في الخطاب السياسي السابق، ثم البعد عن المحور الذي يمارس التضليل الإعلامي، و يتغذى ويستثمر شعبيا بشعارات القضية واستمرارها بلا حل، والموازنة بين الخطورة والفائدة في أي قرار يُتخذ، وأن يعيدوا ترتيب أولوياتهم التفاوضية، فلا إطار كامب ديفيد ولا اتفاق أوسلو ستقبل بهما إسرائيل .
بعدما شهد واقع النزاع تحولات كبرى، هل ستفلح السلطة الفلسطينية وبقية الأحزاب والفصائل المتخاصمة في اغتنام الفرصة والدفع باتجاه الوحدة الوطنية، والانفتاح نحو إعادة تقديم الحل الدبلوماسي عبر خطوات تكتيكية متزنة وذكية من أجل مستقبل شعبهم وإنقاذ القضية ؟ أم ستستمر في تضييع الفرص والجهود وممارسة سياسة الكلام والخطابات والشجب والاستنكار والجحود والتخوين للداعمين والشرفاء، والقرارات المتسرعة والارتجالية التي تجعلها تندم كثيرًا ؟ هذا إذا كانوا يريدون وطنًا وليس مالًا ومصالح ذاتية ومزيدًا من إهدار الوقت و المناطق.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة