خبير لـ«العين الإخبارية»: الأمن المائي خط الدفاع الأول في مواجهة التغير المناخي

تتأثر الموارد المائية بالتغيرات المناخية اليوم بصورة غير مسبوقة، ما يجعل ملف المياه أولوية قصوى على طاولة العمل المناخي، خاصة مع تفاقم ندرة المياه التي يعاني منها ملايين البشر حول العالم.
هذه الأزمة تتزايد مع الارتفاع المستمر في درجات الحرارة والطلب المتنامي على المياه لأغراض شتى تبدأ من النظافة الشخصية مرورا بالزراعة والصناعة وصولًا إلى تلبية احتياجات الزيادة السكانية المتسارعة. كل هذه العوامل تنعكس في النهاية على الأمن المائي العالمي.
وفي هذا الإطار، أجرت "العين الإخبارية" حوارًا حصريًا مع الدكتور حسن أبو النجا، الباحث في الرابطة الدولية لموارد المياه (IWRA)، حول أهمية دمج الأمن المائي في المفاوضات الدولية للعمل المناخي، وتحديات الموارد المائية في ظل المتغيرات المناخية.
كيف تُعرّف الأمم المتحدة الأمن المائي في سياق تغير المناخ والعدالة الاجتماعية؟
وفقًا للأمم المتحدة، فإن الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة (SDG 6) يمثل الأساس لتعريف الأمن المائي، وهو يهدف إلى ضمان توفر المياه والصرف الصحي للجميع وإدارتها بشكل مستدام.
وتؤكد المنظمة أن التغير المناخي يؤثر بصورة مباشرة على دورة المياه العالمية، حيث يؤدي إلى تقلبات في أنماط هطول الأمطار، وزيادة في الفيضانات والجفاف، وهو ما يهدد الأمن المائي في مناطق عدة.
ومن جانب آخر، تُعد التغيرات المناخية قضية حقوقية، إذ تؤثر بشكل غير متناسب على الفئات الضعيفة مثل النساء، والمجتمعات الأصلية، والمزارعين، وهو ما يستدعي اتخاذ إجراءات عادلة وشاملة.
كيف تُقيّم فعالية استراتيجيات التكيف الحالية في الزراعة والتخطيط العمراني لتعزيز صمود الموارد المائية؟
يمكن لاستراتيجيات التكيف في القطاع الزراعي، مثل تطبيق ممارسات الزراعة المستدامة وتحسين تقنيات الري، أن تساهم في رفع كفاءة استخدام المياه وزيادة الإنتاجية. غير أن هذه الاستراتيجيات تواجه تحديات بارزة تتعلق بالتمويل ونقل التكنولوجيا وبناء القدرات، خاصة في الدول النامية.
أما في مجال التخطيط العمراني، فمن الواضح أن المدن الكبرى، مثل تلك الواقعة في شمال إفريقيا، تواجه صعوبات متزايدة في إدارة الموارد المائية، وذلك بسبب النمو السكاني السريع والتوسع العمراني غير المخطط، وهو ما يزيد الضغط على مصادر المياه.
كيف يؤثر تغير المناخ على توفر المياه العذبة في شمال أفريقيا؟
تشير التوقعات إلى أن التغير المناخي سيؤدي إلى تراجع وفرة المياه العذبة في شمال أفريقيا نتيجة ارتفاع درجات الحرارة وتغير أنماط الأمطار وزيادة معدلات التبخر. بعض الدراسات تتوقع انخفاضًا قد يصل إلى 20% في الموارد المائية المتاحة بحلول عام 2050. في مصر على سبيل المثال، يعتمد السكان بنسبة تقارب 95% على مياه نهر النيل، ما يجعل البلاد عرضة بشدة للتقلبات المناخية التي قد تؤثر على تدفق النهر وبالتالي تهدد الأمنين الغذائي والمائي معًا.
ما أبرز المخاطر المتعلقة بالمياه التي تواجه المجتمعات الهشة في الجنوب العالمي، خاصة في المناطق الجافة مثل مصر؟
المجتمعات الهشة تواجه مخاطر أكبر مقارنة بغيرها، ومن أبرزها: ارتفاع درجات الحرارة، وتلوث المياه، والجفاف المطول. ارتفاع الحرارة يؤدي إلى زيادة معدلات التبخر بما يؤثر على الإنسان والحيوان، بينما ينجم تلوث المياه غالبًا عن الصرف الصناعي والصحي غير المعالج، ما يشكل تهديدًا مباشرًا للصحة العامة. أما الجفاف المطول، فيؤدي إلى تراجع مستويات المياه في السدود والآبار، وهو ما يضر بالزراعة ويؤثر على الاستهلاك البشري. وتترتب على ذلك نتائج اجتماعية واقتصادية خطيرة، مثل النزوح الداخلي، وزيادة معدلات الفقر، وتدهور الأمن الغذائي.
ما التقنيات الناشئة أو الحلول القائمة على الطبيعة التي تبشر بتحسين الوصول إلى المياه وجودتها؟
هناك بالفعل حلول واعدة، منها إعادة استخدام المياه الرمادية في الزراعة والصناعة، وهو ما يقلل الضغط على المياه العذبة، وكذلك تحلية المياه باستخدام مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية لتوفير موارد مستدامة في المناطق الساحلية.
إلى جانب ذلك، فإن استعادة النظم البيئية عبر إعادة تشجير الأحواض المائية وزراعة النباتات يسهم في تحسين جودة واستدامة الموارد المائية.
كيف يمكن إدماج الأصوات المهمّشة—خصوصًا النساء والمزارعين والمجتمعات الأصلية—في حوارات سياسات المياه؟
ضمان مشاركة هذه الفئات أمر جوهري لتحقيق العدالة الاجتماعية. ينبغي تمكين النساء عبر برامج التدريب والمشاركة في إدارة المياه، كما يجب دعم المزارعين بتقنيات مستدامة وتسهيل وصولهم إلى التمويل والخدمات. كذلك، لا بد من إشراك المجتمعات الأصلية واحترام معارفها التقليدية وتضمينها في عمليات صنع القرار.
ما النتائج التي تعتبرها نجاحًا في ملف الأمن المائي خلال قمة COP30؟
من أبرز مؤشرات النجاح: زيادة التمويل المخصص لمشاريع المياه في الدول النامية، وتعزيز التعاون الدولي عبر تبادل الخبرات والتقنيات، إضافة إلى تطوير السياسات الوطنية والإقليمية التي تضمن إدارة مستدامة للموارد المائية.
كيف يمكن لـCOP30 أن يدمج الأمن المائي بشكل أفضل ضمن آليات التمويل المناخي وأطر الانتقال العادل؟
يمكن للقمة أن تحقق ذلك عبر تخصيص جزء من التمويل المناخي لدعم مشروعات المياه في المناطق الأكثر تضررًا، وبناء القدرات من خلال التدريب المجتمعي على إدارة المياه، وتشجيع الابتكار عبر دعم البحث والتطوير في تقنيات المياه المستدامة.
ما رسالتكم لقادة العالم في COP30؟
رسالتي واضحة: الأمن المائي ليس رفاهية بل ضرورة حيوية. فالتغير المناخي يهدد موارد المياه في مختلف أنحاء العالم، بما ينعكس سلبًا على حياة الملايين. لذلك، على قادة العالم أن يتخذوا إجراءات عاجلة ومنسقة لضمان توفير المياه للجميع، تحقيقًا للعدالة الاجتماعية وحفاظًا على كوكبنا للأجيال القادمة.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuOTYg جزيرة ام اند امز