الاستثمار قبل البورصات.. كيف نظر القدماء إلى الدخل والذهب قبل 2000 سنة؟
لم يكن البحث عن مصدر دخل مستقر واستثمار موثوق وليد العصر الحديث أو نتاج نشوء البورصات والأسواق المالية المعاصرة.
كشف الدكتور قسطنطين بانيجيريس، المحاضر في الدراسات الكلاسيكية والتاريخ القديم في جامعة غرب أستراليا، في مقال تحليلي نشره على موقع "ذا كونفرسيشن"، أن هذا الطموح قديم، ويعود إلى قلب الحضارتين اليونانية والرومانية.

ويشير بانيجيريس إلى أن الشاعر الروماني يوفينال عبر، قبل نحو ألفي عام، عن رغبة في تحقيق دخل سنوي ثابت يعادل بقيمته الحالية قرابة 300 ألف دولار أسترالي، في دلالة على أن مفاهيم الدخل السلبي وتنمية الثروة كانت حاضرة بوضوح في وعي المجتمعات القديمة.
الذهب والفضة… ملاذ آمن قبل ظهور البورصات
ويوضح الباحث أنه في غياب أسواق الأسهم، اتجه المستثمرون آنذاك إلى الذهب والفضة باعتبارهما وسيلة لحفظ القيمة والحماية من تقلبات العملة والتضخم.
وكانت هذه المعادن تُخزن في صورة سبائك أو حُلي داخل خزائن خاصة، رغم ما كان يحيط بذلك من مخاطر السرقة.
ويستشهد بانيجيريس بوصف الشاعر الروماني فيرجيل لبيوت الأثرياء التي ضمت كميات ضخمة من الفضة المدفونة والذهب المصوغ، كما ينقل عن الكاتب شيشرون روايات تُظهر كيف كانت القروض تُمنح عبر إخراج الذهب من خزائن خاصة وتحويله إلى عملات.
تقلبات السوق ليست وليدة العصر الحديث
وبحسب المقال، فإن أسواق المعادن لم تكن مستقرة دائما، إذ أدى اكتشاف منجم ذهب في شمال إيطاليا إلى انهيار سعر الذهب بنحو الثلث خلال شهرين فقط، ما اضطر السلطات إلى التدخل وفرض قيود على التعدين لضبط السوق.
ويعكس ذلك، كما يقول بانيجيريس، ذهنية استثمارية مألوفة حتى اليوم، حيث نقل عن الكاتب الإغريقي زينوفون قوله إن الإنسان لا يشبع أبدا من امتلاك الفضة، مهما بلغت ثروته.

الزراعة والفن.. استثمار طويل الأمد
ويبين بانيجيريس أن السلع الزراعية مثل الحبوب وزيت الزيتون والنبيذ كانت من أكثر الاستثمارات أمانًا، لأنها توفر دخلًا مستمرا مقارنة بالمعادن التي لا تدر أرباحا إلا عند بيعها. وقد وصف السياسي الروماني كاتو هذه الاستثمارات بأنها لا يمكن أن "تفسدها تقلبات القدر".
كما شكلت الأعمال الفنية مجالا آخر للاستثمار المربح، إذ بيعت لوحات نادرة بمبالغ طائلة بعد نهب مدينة كورنث، من بينها لوحة اشتراها ملك بيرغامون مقابل ما يعادل أطنانا من الفضة.

السياسة.. عامل مخاطرة دائم
ويؤكد المقال أن الاستثمار في العالم القديم لم يكن بمنأى عن المخاطر السياسية، حيث أدت الحروب الأهلية وفرض الضرائب الاستثنائية من قبل بعض الأباطرة إلى ارتفاع الأسعار واضطراب الأسواق، في مشهد يعكس تشابها لافتا مع الأزمات الاقتصادية المعاصرة.
ويخلص د. قسطنطين بانيجيريس، في مقاله المنشور على موقع "ذا كونفرسيشن"، إلى أن الاستثمار قبل ألفي عام كان وسيلة فعالة لبناء الثروة، لكنه ظل محفوظا بالمخاطر، مؤكدا أن قواعد المال الأساسية لم تتغير كثيرا عبر الزمن، حتى وإن اختلفت الأدوات.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTAzIA== جزيرة ام اند امز