الهند تسلك مسار "التحول الأخضر" لبلوغ صفر انبعاثات بحلول 2050
حشد 438 مليار دولار سنوياً منها 90 مليارا للتحول بقطاع الطاقة
بينما تأتي الهند في المرتبة الثالثة على قائمة الدول صاحبة أعلى معدل انبعاثات، كشفت الحكومة الهندية عن خطة طموحة للتحول الأخضر.
تتضمن خطة التحول الأخضر في الهند تعهدات بتحقيق هدف الحياد الكربوني بحلول عام 2070، من خلال التوسع في استخدامات مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة، وزيادة مساحات الغابات والمسطحات الخضراء، بما يشكل علامة فارقة في جهود مكافحة التغيرات المناخية والتخفيف من حدة التداعيات الناجمة عنها.
ووفق معهد الموارد العالمية، تبلغ نسبة مساهمة الهند في الانبعاثات الكربونية على مستوى العالم، حوالي 7%، بينما تشير بيانات برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) إلى أن نسبة ما تنتجه الهند من انبعاثات غازات الدفيئة، وتشمل ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروز، تبلغ 9% من الإجمالي العالمي.
ويظهر تقرير الاتصال الوطني الثالث، وهو أحدث تقييم للعمل المناخي من المتوقع أن تقدمه الحكومة الهندية للأمم المتحدة، أن الدولة الآسيوية حققت انخفاضاً كبيراً في مستويات كثافة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، بنسبة تصل إلى 33%، خلال 14 عاماً، في الفترة بين عامي 2005 و2019.
ويعتبر التقرير أن الهند تسير بخطى حثيثة نحو الوفاء بالتزاماتها لتقليل كثافة الانبعاثات بنسبة 45%، بحلول عام 2030، عن مستوياتها التي كانت عليها في عام 2005، ويُقصد بمعدل كثافة الانبعاثات، هو إجمالي كمية غازات الاحتباس الحراري في مقابل كل وحدة ارتفاع بالناتج المحلي الإجمالي.
ومن المتوقع أن يجري استعراض تقرير الهند أمام مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP28) في دولة الإمارات العربية المتحدة، أواخر العام الجاري، ضمن الجلسات الخاصة باستعراض التقييم العالمي الأول للتقدم المحرز فيما يتعلق بالأهداف الطموحة لاتفاق باريس.
استثمارات بـ12 تريليون دولار لبلوغ صافي الصفر
ورغم الارتفاع المتسارع في استخدامات الطاقة المتجددة بالهند، والتي سجلت رقماً قياسياً في عام 2020، بإنتاج 16 غيغاواط من الطاقة الشمسية، ما زالت الدولة الآسيوية تعتمد على استخدام الفحم في إنتاج ما يقرب من 70% من إجمالي احتياجاتها من الطاقة الكهربائية، بالإضافة إلى الاعتماد على الوقود الأحفوري في العديد من القطاعات الصناعية.
ووفق وكالة "بلومبرغ"، تحتاج الهند إلى استثمار مبالغ تصل إلى 12.7 تريليون دولار لتنفيذ التحول في نظم الطاقة، من أجل تحقيق هدف الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول منتصف القرن الحالي، مشيرةً إلى أن هذه المبالغ تزيد بمقدار 3 أضعاف عن الناتج المحلي الإجمالي للهند.
وكذلك ترى شركة "ماكنزي" للأبحاث أن خطة التحول الأخضر في الهند تتطلب 12.1 تريليون دولار بحلول عام 2050، وهذا ما يعني تدبير استثمارات هائلة في شبكات توزيع الطاقة، لتتناسب مع أنواع الطاقة المتجددة المختلفة، بالإضافة إلى زيادة الاعتمادات المخصصة لاستخدامات الطاقة الخضراء.
ونقلت وكالة "رويترز" عن مسؤولين في الحكومة الهندية ممن شاركوا في إعداد تقرير الاتصال الوطني الثالث، أن الهند حققت أسرع معدل لخفض الانبعاثات على مستوى العالم، حيث كان يبلغ حوالي 1.5% في الفترة بين عامي 2014 و2016، تضاعف إلى 3% في الفترة بين عامي 2016 و2019.
ويرجع ذلك بشكل أساسي، بحسب المسؤولين الهنديين، إلى التوسع في استخدامات الطاقة المتجددة، حتى في ظل استمرار الاعتماد على الوقود الأحفوري كمصدر للطاقة، بالإضافة إلى الزيادة الكبيرة في مساحات الغابات، التي تغطي نحو 81 مليون هكتار، أي حوالي ربع المساحة الإجمالية للهند.
وقال أحد المسؤولين إن الاقتصاد الهندي يشهد انخفاضاً مستمراً في كثافة الانبعاثات، مما يظهر أن الدولة الآسيوية تسير على الطريق الصحيح نحو تحقيق النمو الاقتصادي، وفي الوقت نفسه خفض انبعاثات الاحتباس الحراري، خاصةً في قطاعات إنتاج الطاقة والسيارات وغيرها من الصناعات الثقيلة.
حشد 438 مليار دولار سنوياً.. معضلة كبرى بالهند
ووفقاً للاستثمارات المطلوبة لخطة التحول الأخضر في الهند، والتي تُقدر بنحو 12.7 تريليون دولار، حتى عام 2050، فإن ذلك يعني حشد استثمارات سنوية تصل إلى 438 مليار دولار، بحيث تصل الاستثمارات التراكمية في قطاع الطاقة فقط، إلى 2.8 تريليون دولار، بمتوسط 90 مليار دولار سنوياً.
ويقول شانتانو جيسوال، رئيس أبحاث الهند في "بلومبرغ"، إن هذه التقديرات تمثل قفزة هائلة للدولة الآسيوية، التي حشدت استثمارات بنحو 17 مليار دولار فقط في تقنيات التحول الأخضر بقطاع الطاقة خلال العام الماضي، مشيراً إلى أن البنوك الهندية وحدها لن يكون بمقدورها تلبية الاستثمارات المطلوبة.
وبحسب تقرير "ماكنزي" للأبحاث، فإن خطة التحول الأخضر في الهند تتطلب استثمارات تتراوح بين 3.5 و6% من إجمالي الناتج المحلي، وهو ما يعني، بحسب سيناريو السياسات الحالية، حشد 7.2 تريليون دولار من الاستثمارات الخضراء حتى 2050، ونحو 4.9 تريليون دولار إضافية، بإجمالي 12.1 تريليون دولار، حتى يمكنها الوفاء بتعهداتها المناخية.
كما يجب على الحكومة الهندية تقديم الدعم للمشروعات الخضراء بالقطاعات المختلفة، حتى تكون ذات جدوى اقتصادية، مثل تقديم حوافز لاستخدام المركبات الكهربائية، وتركيب منشآت نظيفة جديدة للكهرباء، بالإضافة إلى دعم استخدامات التقنيات النظيفة، بقيادة استثمارات القطاع الخاص، مثل تقنيات تخزين الكهرباء، وتكنولوجيا خلايا الوقود، وإعادة التدوير.
أهمية التحول الأخضر في الهند للمناخ العالمي
مع الأخذ في الاعتبار أن حجم ما تطلقه الهند من انبعاثات مكافئ ثاني أكسيد الكربون يبلغ 2.9 مليار طن سنوياً، وفي ظل المعدلات الحالية، قد يرتفع إجمالي انبعاثات الدولة الآسيوية من غازات الاحتباس الحراري، إلى 11.8 مليار طن سنوياً بحلول عام 2070.
وبالتالي، فإن خطة التحول الأخضر في الهند، التي تستهدف تحقيقها بحلول عام 2050، سوف تساعد في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية بمقدار 287 مليار طن، تمثل ما يقرب من نصف إجمالي المستويات المطلوب تخفيضها من الانبعاثات الكربونية، للحفاظ على هدف اتفاق باريس، بمنع ارتفاع حرارة الأرض بأكثر من 1.5 درجة مئوية.
وبحسب سيناريو السياسات الحالية والمعلنة، فإن الانبعاثات السنوية للهند يمكن أن تتراجع إلى 1.9 مليار طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، بحلول عام 2070، بينما تشير المعدلات الحالية إلى أنه من المتوقع أن تصل معدلات الانبعاثات ترتفع إلى 11.8 مليار طن سنوياً، في غضون نفس الفترة.
أما في حالة السيناريو المتسارع، والذي يتضمن تسعير الكربون، والاعتماد على تقنيات احتجاز الكربون، فإنه يمكن للهند أن تصل بمستوى الانبعاثات إلى 0.4 مليار طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون سنوياً، بحلول عام 2050، مع إمكانية الوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2070.