زيارة محمد بن زايد لإندونيسيا.. مباحثات تدعم قيم التسامح والتنمية
زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لإندونيسيا لها أهمية خاصة، كونها تجسد نجاح سياسة الإمارات القائمة على تنويع علاقاتها الخارجية
توقيع 12 اتفاقية ومذكرة تفاهم بقيمة تتجاوز 9.7 مليار دولار عقب جلسة مباحثات رسمية.. محصلة زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية إلى إندونيسيا، الأربعاء.
اتفاقيات تعزز العلاقات الاستراتيجية بين بلدين يعدان نموذجيين حقيقيين في مجال تطبيق مفاهيم التسامح، وتدعم خطط التنمية في بلدين تملك كل منهما مقومات اقتصادية متنوعة، ويؤمنان بأهمية تعزيز الشراكة الاقتصادية بينهما.
وتكتسب زيارة ولي عهد أبوظبي لإندونيسيا بعد زيارته للصين أهمية خاصة، كونها تجسد نجاح سياسة الإمارات القائمة على تنويع علاقاتها الخارجية وتعزيز شراكاتها الاستراتيجية مع القوى الإقليمية والدولية، وبما يخدم أهدافها التنموية الطموحة.
فبعد زيارة للصين استمرت 3 أيام، تم خلالها توقيع أكثر من 32 اتفاقية ومذكرة تفاهم، وإجراء مباحثات مثمرة، ووضع أسس للنهوض بالشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين إلى آفاق أرحب، جاءت زيارة ولي عهد أبوظبي لجاكرتا في إطار حرص الإمارات على بناء علاقات من الشراكة القوية مع إندونيسيا.
احتفاء رسمي وشعبي
وحظي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان باحتفاء رسمي وشعبي لافت منذ وصوله إلى العاصمة الإندونيسية جاكرتا، حيث كان في مقدمة مستقبليه لدى وصوله مطار سويكارنو هاتا الدولي رئيس إندونيسيا.
واحتفاء بالزيارة، رافق موكبه من المطار إلى قصر بوغور، فرق خيالة وعسكرية وشعبية، كما اصطف مجموعة من الأطفال ملوحين بأعلام الدولتين مرحبين بزيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى إندونيسيا.
وجرت له مراسم استقبال رسمية لدى وصوله قصر بوغور، حيث عزف السلام الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية إندونيسيا بينما أطلقت المدفعية 21 طلقة تحية له.
وأعرب الشيخ محمد بن زايد آل نهيان عن تقديره لهذا الاحتفاء خلال كلمة دونها في سجل كبار زوار قصر بوغور الرئاسي، قال فيها "سعدت بزيارة جمهورية إندونيسيا الصديقة، ولقاء رئيسها جوكو ويدودو.. وأعرب عن شكري وتقديري لحفاوة الاستقبال وكرم الضيافة، علاقات الصداقة والتعاون بين بلدينا قوية ومتينة، متمنيا لها مزيدا من الرسوخ والتطور في المستقبل، لما فيه صالح البلدين والشعبين الصديقين".
حرص مشترك على الارتقاء بالعلاقات
المباحثات التي أجراها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مع الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو في قصر بوغور الرئاسي عكست بشكل واضح حرص قيادتي البلدين على الارتقاء بمسار هذه العلاقات، وتوسيع آفاق ومجالات التعاون والعمل المشترك بينهما في مختلف المجالات.
كما أظهرت أيضا توافق رؤى الدولتين فيما يتعلق بمحاربة آفتي التطرف والإرهاب، والعمل معا على ترسيخ ونشر قيم التسامح، وضرورة مضاعفة المجتمع الدولي جهوده لتحقيق السلام والأمن في المنطقة والعالم.
واستعرض الجانبان خلال الجلسة أوجه وفرص التعاون بين البلدين في المجالات الاستثمارية والاقتصادية والثقافية والتنموية والزراعية، إضافة إلى العديد من الجوانب الحيوية التي تحظى باهتمام البلدين والآفاق المستقبلية الواعدة لتطويرها.
الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أكد أن "أن دولة الإمارات العربية المتحدة بقيادة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة لديها اهتمام كبير بتوثيق العلاقات والشراكات مع جمهورية إندونيسيا في الكثير من المجالات المهمَّة والحيوية، خاصة في مجالات النفط والغاز والطاقة المتجدِّدة والزراعة والسياحة والاستثمار وغيرها من المجالات الأخرى".
وأشار إلى أن "العلاقات الاقتصادية بين البلدين تملك الكثير من الفرص ومقومات النماء والازدهار، التي من المهم استثمارها خلال الفترة المقبلة لمزيد من تعزيز الروابط التنموية، لما فيه خير ونماء البلدين والشعبين الصديقين".
من جانبه، أعرب الرئيس الإندونيسي عن ثقته بأن هذه الزيارة تدعم بقوة العلاقات المتينة بين البلدين، وتعزز أوجه التعاون والعمل المشترك بين دولة الإمارات وإندونيسيا.
كما أكد الرئيس الإندونيسي حرص بلاده على تعزيز علاقاتها بدولة الإمارات العربية المتحدة وتنميتها إلى آفاق جديدة من التعاون والشراكة الثنائية، التي تخدم أهداف البناء والتنمية والتقدم في البلدين.
وأكد الجانبان -في ختام الجلسة- حرص دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية إندونيسيا على توسيع آفاق ومجالات التعاون والعمل المشترك بينهما، وتنويعها تلبية لمتطلبات المرحلة الحالية والمستقبلية، في ظل ما تتميز به علاقات الجانبين من إمكانات وفرص كبيرة للنمو، خاصة في مجالات الاستثمار والتكنولوجيا والزراعة والأمن الغذائي بجانب الإرادة السياسية المشتركة لقيادتي البلدين الصديقين.
12 اتفاقية
وعقب جلسة المباحثات، تم توقيع 12 اتفاقية ومذكرة تفاهم في مجالات متنوعة بقيمة إجمالية 9.7 مليار دولار.
اتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تم توقيعها بين الدولتين تؤسس لمرحلة جديدة من العلاقات المتنوعة والشراكة الاستراتيجية التي ترتقي بمصالح البلدين، حيث تستهدف هذه الاتفاقيات تعزيز التعاون بين الدولتين في مجالات حماية الاستثمار وتشجيعه، والدفاع والسياحة والثقافة والصناعة والتكرير والبتروكيماويات، وقطاع التجزئة وتسويق الغاز البترولي المسال، وتجارة الغاز الطبيعي المسال.
ومن بين الاتفاقيات التي تم توقيعها "توقيع شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) اتفاقية مع بي.تي برتامينا الإندونيسية للطاقة، المملوكة للدولة، للتعاون في مجال النفط والغاز في كلتا الدولتين وعلى مستوى العالم بقيمة محتملة 2.5 مليار دولار"، حسب الخارجية الإندونيسية.
وقالت أدنوك "إن الصفقة تغطي مشروعات في دولة الإمارات العربية المتحدة في مجال المنبع لقطاع النفط والغاز، إضافة إلى فرص في مجال التكرير والبتروكيماويات والغاز الطبيعي المسال وغاز البترول المسال ووقود الطائرات ووقود التجزئة في إندونيسيا".
كما وقعت شاندرا أسري للبتروكيماويات الإندونيسية اتفاقية مع شركة مبادلة للاستثمار بأبوظبي وشركة الطاقة النمساوية أو.إم.في، لاستكشاف فرص في البتروكيماويات، حسب ما قالته الشركات الثلاث في بيان مشترك.
وقالت وزارة الخارجية الإندونيسية "إن الشركات الثلاث تستكشف تطوير مجمع للبتروكيماويات وتكسير النفتا".
كما وقعت شركة موانئ دبي العالمية ومجموعة ماسبيون الإندونيسية اتفاقين أوليين لتطوير ميناء حاويات ومنطقة لوجيستية صناعية في جريسيك في جاوة الشرقية، وقدرت قيمة الصفقة بنحو 1.2 مليار دولار.
وستبلغ قدرة الميناء 3 ملايين حاوية نمطية قياس 20 قدما.
وقالت موانئ دبي العالمية في بيان "من المتوقع أن يبدأ البناء في وقت لاحق من العام الجاري مع تدشين العمليات التجارية في النصف الأول من 2022".
ومن أبرز تلك الاتفاقيات أيضا: اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمار، ومذكرة تفاهم لإنشاء لجنة قنصلية مشتركة ومذكرة تفاهم للتعاون في المجال الدفاعي ومذكرة تفاهم في مجال الثروة السمكية.
شجرة العلاقات تظلل قيم التسامح
وفي لفتة ذات مغزى، غرس الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والرئيس الإندونيسي شجرة في حديقة القصر للدلالة على عمق وتجذر العلاقات بين البلدين.
وتعد زراعة الأشجار في حديقة القصر الرئاسي عادة متبعة مع الرؤساء وكبار الضيوف، حيث تعبر عن الصداقة القوية بين إندونيسيا ودول العالم، وتوضع لوحة يكتب عليها تاريخ زرع الشجرة والشخصية التي غرست تلك الشجرة.
وبزراعة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان تلك الشجرة فإنه يضع بذرة جديدة لتحقيق التعاون والتكامل، في إطار سياسة الدولة بتنويع العلاقات وتعزيز الشراكات الاستراتيجية مع القوى الإقليمية والدولية، وذلك بعد الزيارة الناجحة التي قام بها للصين.
كما تدعم تلك الزيارة نشر قيم التسامح كأحد أهم القواسم المشتركة في تجربة البلدين.
وتشكل الإمارات وإندونيسيا نموذجيين حقيقيين في مجال تطبيق مفاهيم التسامح، حيث نجحت إندونيسيا في صهر التعدد العرقي واللغوي والديني الناتج عن طبيعية الجمهورية التي تتشكل من ارخبيل يضم أكثر من 17 ألف جزيرة، يتحدث سكانها بأكثر من 700 لغة، إلى فرص تخدم أهدافها التنموية، وهو ذات النموذج الذي قدمته الإمارات.
فلم تعد التجربة الإماراتية في نشر قيم التسامح ودعم الحريات الدينية مجرد نموذج ناجح يسعى كثيرون لتطبيقه، بل أضحت مصدر إلهام للعالم، بما تحتويه تلك التجربة من مبادرات وقيم يعم نفعها على الإنسانية جمعاء.
وأينما حل اسم الإمارات حول العالم أضحت مبادراتها في نشر قيم التسامح ودعم الحريات الدينية حاضرة كنماذج للاقتداء والاحتذاء، ولا يكاد يمر يوم إلا ويشيد العالم بتلك التجارب والمبادرات.
وتعد الإمارات واحة للإنسانية والتسامح ونموذجا يحتذى به، حيث تحتضن أكثر من 200 جنسية من مختلف الأديان والثقافات يعيشون على أراضيها بانسجام ووئام، ويضمن القانون الحق للمقيمين في استخدام مرافق الدولة الصحية والتعليمية والثقافية والترفيهية أسوة بمواطنيها دون أي تمييز.
ومن الأمثلة العملية لروح التسامح التي تتمتع بها دولة الإمارات، والتي لا ينساها العالم، توجيه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان عام 2017 بإطلاق اسم السيدة مريم أم النبي عيسى على مسجد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في منطقة المشرف بأبوظبي.
وثيقة وجائزة ومسجد وكنيسة
ويصادف عام 2019 عام التسامح في الإمارات، تعمل خلاله الدولة على نشر قيم التسامح باعتبارها عملا مؤسسيا مستداما من خلال مجموعة من التشريعات والسياسات الهادفة إلى تعميق قيم التسامح والحوار وتقبل الآخر والانفتاح على الثقافات المختلفة، خصوصا لدى الأجيال الجديدة، بما تنعكس آثاره الإيجابية على المجتمع بصورة عامة.
وكان من أبرز مبادرات عام التسامح إطلاق وثيقة "الأخوة الإنسانية" التي وقعها قداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر رئيس مجلس حكماء المسلمين، على أرض دولة الإمارات العربية المتحدة يوم 4 فبراير/شباط الماضي.
ومنذ توقيع الوثيقة تعمل الإمارات بالتعاون مع الرمزيين الدينيين الكبيرين على نشر الوثيقة وتطبيق مبادئها على أوسع نطاق.
ووثيقة الأخوة الإنسانية تؤسس دستورا جديدا للتعايش السلمي يجمع الشرق بالغرب، ويتضمن عدداً من الثوابت والقيم، منها قيم السلام وثقافة التسامح وحماية دور العبادة وحرية الاعتقاد ونشر الأخلاق ومفهوم المواطنة.
ويتفق البلدان على أهمية نشر مفهوم التسامح منذ وقت مبكر، حيث أصدرا في 2015 بياناً مشتركاً في اختتام زيارة للرئيس الإندونيسي جوكو ويدود لدولة الإمارات أكدا خلاله أن تحقيق السلام والأمن والاستقرار في العالم يتطلب نشر الصورة الصحيحة عن الإسلام، وتشجيع الحوار بين الأديان لجميع الشعوب المختلفة الأعراق والثقافات والأديان.
aXA6IDMuMTQyLjIwMS45MyA= جزيرة ام اند امز