التغيير سنة من سنن الحياة، ومن يعجز عن قراءة التحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فكأنه أعمى.
عندما تبلغ المظالم بالناس حدَّ الانفجار، فالناس تنفجر. وعندما تفعل، فإنها تدفع بالتاريخ إلى منعطف، وقد لا يعود التراجع ممكنا.
هذا ما يحصل الآن في الولايات المتحدة ضد سياسات وممارسات التمييز العنصري، وهو ذاته ما يحصل في لبنان والعراق ضد هيمنة إيران وسلطة المليشيات الطائفية، ويوشك أن يتجدد في فلسطين ضد الاحتلال وسياسات العنف والإرهاب الإسرائيلي.
شيئان، في هذا الإطار، تجدر الثقة بهما.
الأول، هو أن الظالمين تأخذهم العزة بالإثم حتى ليظنوا أن ظلمهم باقٍ لهم، وإنه ثابت لا يتغير. فيزدادون غطرسة، وتعنتا، ويدفعون بالمزيد من الضحايا إلى صفوف الذين لا يخسرون شيئا إذا انتفضوا. وفي ذلك ما يبرر الاعتقاد القائل إن الظلم قاهرٌ نفسه بنفسه.
والثاني، هو أن الناس، غالبيتهم على الأقل، لن يطيقوا العيش في ظلم على طول الخط. ما يحصل هو أن يصبروا، ثم يحاولوا التكيف، ثم يضيق عليهم الخناق أكثر، ثم ينفجروا في النهاية.
التغيير سنة من سنن الحياة، ومن يعجز عن قراءة التحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فكأنه أعمى.
هاتان آليتان تجدر الثقة بهما دائما. ولو أن المرء نظر إلى مسارات التغيير عبر التاريخ كله، لأمكن أن يراهما بجلاء شديد.
التغيير سنة من سنن الحياة، ومن يعجز عن قراءة التحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فكأنه أعمى. فما يحصل هو أن الغنى والسلطة والنفوذ، غالبا ما تصبح أدوات لا ترفع مستويات الثقة بالنفس إلى حد الاستعلاء والغطرسة على سنة التغيير فحسب، ولكنها تدفع بالظالمين إلى العمى أيضا.
ألم يكن الأمرُ من أمور العمى أن اقترحت ماري انطوانيت على الذين يطالبون بالخبز أن يأكلوا الكيك؟ ثم ألم يكن الأمر أمرا من أمور العمى أن إيران لم تر فساد مليشياتها وعصاباتها، فظلت تقول للذين تنهبهم إن الامبريالية هي السبب؟ ثم ألم يكن الأمر أمرا من أمور العمى أن إسرائيل التي ظلت تقتل وتعتقل وتغتصب المزيد من أرض الفلسطينيين، كانت هي التي دفعت بالفلسطينيين إلى انتفاضتين؟
والظلم بديع، لأنه واحدٌ من أهم محركات التاريخ. وكلما زاد بشاعة وقهرا وشمولا، كلما كان أفضل، لأنه يحشد بنفسه القوة التي تدحضه.
لن يعود بوسع أعمال العنف التي تمارسها أجهزة الشرطة في الولايات المتحدة أن تقتل وتفلت من العقاب، لا بين السود ولا بين البيض، والعنصرية إنما تلفظ الآن أنفاسها الأخيرة، صحيح أنها يمكن أن تأخذ أشكالا قد لا تقل وحشية، أو أن تتستر وراء ممارسات دفينة وغير مباشرة أكثر، وهو ما يحصل على أي حال، إلا أن التغيرات التي تلحق بالثقافة والقانون والأخلاقيات العامة سوف تظل تلاحق تلك الأشكال الجديدة من العنصرية لتقودها في النهاية إلى مثواها الأخير.
هذا المسار بدأ منذ عهد بعيد ولن يتوقف، وكلما نشأت مظالم جديدة، كلما خسر الظالمون أداةً أخرى من أدوات الظلم.
ولن يعود بوسع المشروع الطائفي الصفوي أن ينجو وقد تعرى كل ذاك العري أمام عشرات الملايين من العراقيين واللبنانيين والسوريين وغيرهم، فسوى أن الفساد والجريمة كانتا هما أداتا الهيمنة والنفوذ، فإن التلوث قد بلغ حدا لا يسمح ببحر من "الديتول" أن يطهر أيدي المجرمين، لا في العراق ولبنان، ولا حتى في إيران نفسها.
فإن تواصل الفساد، فهم خاسرون خاسئون. وإن حاولوا أن يربطوا ذيل الكلب بقالب لكي يعدلوه، فهم خاسرون خاسئون أيضا.
حتى ليجوز القول لهم: شكرا لكم على ما فعلتموه، إذ لولا جرائمكم وفسادكم وشراهتكم ما كان للملايين أن يخرجوا ضدكم، وضد وليكم الفقيه، وما كان لعار الخيانة والولاء للأجنبي أن ينكشف، ولقلنا أيضا للصهيوني، بنيامين نتنياهو، وكل حلفائه من اليمين والوسط واليسار داخل إسرائيل وخارجها، الذين يدعمون خططه لضم المزيد من الأراضي الفلسطينية. شكرا للظلم الشديد، وشكرا لكل أعمال القتل اليومية التي يمارسها جنود الاحتلال ضد الفلسطينيين.
إنها لحظة تاريخ مجيد، فكلما أوغل الظلم فيها عمقا، كلما أصبح اقتلاعه أسهل، وعندما يقع الانفجار فإن الظلم لن يعود بوسعه أن يستمر.
أليس الظلمُ قاهرا نفسه بنفسه؟ أليس الظالمون عُميا عما يفعلون؟
دعهم، إذن، يمضون به إلى حيث ينحرون ظلمهم بوحشيتهم نفسها، وبأيديهم ينتحرون.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة